مع دخول العالم عام 2025، يجد نفسه في مواجهة مفترق طرق حاسم، ففي 20 جانفي الجاري، يبدأ دونالد ترامب عهدته الرئاسية الثانية في الولاياتالمتحدة، وهو الرئيس الذي طالما أثار جدلاً داخليًا وخارجيًا بسبب سياساته الصارمة وخطابه الاستقطابي، و مع هذا الحدث يحبس الجميع أنفاسهم انتظارا لما ستحمله هذه السنة من صراعات وتحديات، خصوصًا في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، وسط تطلعات لإيجاد حلول أكثر استدامة وأقل تكلفة للبشرية. ففي منطقتنا العربية لا تزال الحرب الصهيونية الغاشمة على غزة تلقي بظلالها ، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وسط مقاومة فلسطينية مصممة على الدفاع عن أرضها وشعبها، و في ظل هذه الظروف، يقود بنيامين نتنياهو مشروعًا استعماريا تحت عنوان كاذب وواهم هو "الشرق الأوسط الجديد"، يسعى إلى تحقيقه من خلال دفع المزيد من الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل. إقناع الحكومات العربية بالمضي قدمًا في هذا المشروع يأتي بمغريات اقتصادية وضغوط سياسية من قوى غربية، لكنها تواجه معارضة شعبية عارمة داخل هذه الدول، فالشعوب العربية، التي لا تزال ترى في القضية الفلسطينية رمزًا للوحدة والكرامة، ستكون حتما العقبة الأكبر و جدار الصد أمام تحقيق مشروع نتنياهو الذي يُخشى أن يلتهم الدول العربية و يجعل منها مجرد أثر بعد عين. على الضفة الأخرى، تتواصل الحرب الأوكرانية دون مؤشرات واضحة على قرب انتهائها. فهذا الصراع الذي بدأ كجزء من نزاع إقليمي أصبح حربًا بالوكالة بين روسيا والغرب، و مع استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، وتوسيع حلف الناتو باتجاه الشرق، تجد أوروبا نفسها في مأزق اقتصادي وأمني. و يرى بعض الملاحظين أن الرئيس ترامب، الذي أبدى في السابق تحفظات على دعم أوكرانيا، قد يغير مسار السياسة الأميركية تجاه هذا الصراع، مما قد يترك أوروبا في موقف أكثر هشاشة، و هو ما يعني أن هذا الوضع سيفرض تحديات جديدة على القارة الأوروبية لإعادة النظر في سياستها الأمنية وتحقيق استقلالية استراتيجية عن الولاياتالمتحدة. و بينما تتصارع القوى العظمى في الشرق الأوسط وأوروبا، تواصل الصين صعودها كقوة اقتصادية وتكنولوجية عالمية . و ما من شك في أن النزاع بين واشنطن وبكين سيتجاوز منطق التجارة ليشمل التكنولوجيا والهيمنة الجيوسياسية. حيث سيكون التنافس بين البلدين أحد أبرز التحديات في عهدة ترامب الثانية، مع احتمالية اتخاذ سياسات أكثر تشددًا تجاه الصين، سواء من خلال فرض قيود على الشركات الصينية أو تعزيز التحالفات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد تبدو سنة 2025 عموما مليئة بالتحديات التي قد ترسم ملامح نظام عالمي جديد، فالحرب على غزة ومشروع التطبيع، والصراع الأوكراني، والتنافس الأميركي-الصيني، جميعها ملفات ستحتاج إلى إدارة حكيمة من القوى الكبرى، ولا نعلم في خضم كل ذلك قدرة العالم حقا على تجاوز هذه الصراعات وفتح صفحة جديدة من التعاون والاستقرار، و ما إذا كانت الأحداث ستقودنا إلى مزيد من الانقسام والفوضى، وهنا تبقى الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة. هاشم بوعزيز