في دولة راهنت وتراهن على التعليم، وانفتحت مبكرا على الإعلامية، عاد خلال هذا الأسبوع أكثر من مليوني و325 ألف تلميذ وتلميذة إلى مقاعد الدراسة منتظرين تطورا في المناهج والمواد بما يتلاءم وروح العصر. عادت الحركة إلى المؤسسات التربوية، وعادت معها الأسئلة الكبرى حول واقع التعليم ومصيره الذي خصصت له الدولة أكثر من 160 ألف مدرس وحوالي 480 مليون دينار للبنية التحتية وتجهيز المؤسسات لكن دون رؤية جديدة تستحضر الواقع وتتطلع إلى مستقبل لم يعد الانخراط فيه خيارا. فالعودة المدرسية في سنوات الذكاء الاصطناعي لم تعد حدثًا إداريًا عادياً، بل امتحان سنوي يظهر حجم الرهانات الوطنية والنقاش فيه لا يجب أن يتوقف عند بناء الأقسام أو تهيئة الفضاءات، بل يجب أن يذهب إلى جوهر التعليم: المناهج والبرامج ..أساليب التدريس، والقدرة على مرافقة الأجيال نحو المستقبل. فالذكاء الاصطناعي بات اليوم في العالم مادة أساسية أو أداة مساندة داخل المناهج وضرورة لا تحتمل التأجيل، فالعالم يتغير بسرعة، والمهارات المطلوبة لم تعد الحفظ والتلقين، بل التفكير النقدي، الإبداع، والتعلم الذاتي والذكاء الاصطناعي لم يعد ترفا، بل وسيلة لمواكبة الثورة الرقمية وأداة لمتابعة تقدم التلاميذ وتحويل القسم من فضاء جامد يقوم على القلم والكراس إلى مختبر حي يستحضر المهارات والمعارف العالمية. فالتعليم في تونس المنفتحة على العالم مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى ليواكب عصره وأن يكون مدرسة للحياة لا للتلقين، وفضاء يفتح للتلميذ أبواب التجربة، ويعلّمه كيف يبتكر ويبدع لا كيف ينقل ويكرر. وهو لا يمكن أن يكون إلا بتحول العودة المدرسية من طقس روتيني إلى إعلان عن رؤية جديدة: رؤية تجعل من المدرسة محركا للمستقبل، لا ظلا للماضي. إن إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم لا يعني الاستغناء عن المعلّم، بل دعمه وتمكينه. ولا يعني تقليص دور المدرسة، بل مضاعفة تأثيرها بتطوير مناهجها وأسلوبها للرقي بعقول أبنائنا في قدرتهم على صناعة الغد. في العالم، لم تعد ثورة الذكاء الاصطناعي مجرد خيار مستقبلي، بل واقعٌ تعيشه المدارس اليوم. فالصين أدرجت الذكاء الاصطناعي ضمن مناهجها الوطنية للتعليم ..أمريكا وسنغافورة جهزت طلابها ومعلميها بأدوات الذكاء الاصطناعي وركزت على التفكير النقدي والتعلم الذاتي..روسيا انطلقت في دمج برامج الذكاء الاصطناعي لدعم التعليم الرقمي ومتابعة تقدم الطلاب. والهند عملت على إدماج هذه الأدوات في الصفوف الدراسية، لتصبح المدرسة فيها مساحة للإبداع والتجربة، لا مجرد حفظ وتلقين. هذه التجارب العالمية تبرز أن مستقبل التعليم مرتبط بمدى قدرتنا على احتضان الذكاء الاصطناعي وتمكين الأجيال الجديدة من التعامل معه كأداة للمعرفة وليس كمنافس أو تهديد ،والعودة المدرسية الحقيقية ليست في الأرقام والجداول والإحصاءات، بل في قرار جريء يجعل من المدرسة بوابة إلى الغد ، فالعالم اليوم يُدار بلغة "شات جي بي تي" وأدوات الذكاء الاصطناعي التي صارت عقلًا مساعدًا للإنسان، لا عدوًا له. فإما أن نُدرج أبناءنا في هذا السباق الكوني، وإما أن نظل نُعد الدروس على سبورة قديمة بينما الآخرون يفتحون نوافذ المستقبل بخوارزميات عابرة للقارات. فالمدرسة التي لا تحتضن هذه الثورة، تُقصي أبناءها من التاريخ قبل أن يبدأ. راشد شعور