ماكرون يتعهد بإعادة المجوهرات المسروقة من متحف اللوفر    عاجل/ مصادر طبية في غزة تكشف حصيلة الضحايا منذ إعلان وقف الحرب..    كأس الاتحاد الإفريقي: نتائج ذهاب الدور التمهيدي الثاني كاملة    صفاقس : فوز محمد امين قويسم ومحبوبة بلقاسم بسباق 10 كلم ضمن تظاهرة "خطوات من أجل السلام"    أمطار الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    جريمة مروعة: يقتل صديقه بعد يوم فقط من عقد قرانه..    المهرجان الجهوي للمسرح بتطاوين.. دار الثقافة بذهيبة تتويجات بالجملة    الصهاينة يراهنون على الميليشيات لإشعال حرب أهلية ... غزّة تحبط مؤامرة العصابات    الطاقات المتجددة في تونس ..من خيار بيئي إلى دعامة اقتصادية    بداية من يوم غد.. نقل السوق الأسبوعي بالقيروان إلى محيط ملعب حمدة العواني    بين الإدمان والسجن والمقابر .. نستغيث الرئيس لإنقاذ شباب حيّ هلال الضائع    «الشروق» تواكب عودة اللفت السكري إلى سهول جندوبة .. توقعات بإنتاج 30 ألف طن من السكر    مع الشروق : افتحوا أعينكم قبل فتح المعابر    معهد علي بورقيبة بالمحرس .. تلاميذ الباكالوريا بلا أستاذ مادة رئيسية منذ شهر!    قصف صهيوني على غزة ...الهدنة تترنّح!    في افتتاح «أكتوبر الموسيقي» بحمام سوسة: توزيع أركسترالي جيّد لأغاني عبد الحليم    أولا وأخيرا .. هل نحن حقا في تونس ؟    وقفة احتجاجية في قابس والإفراج عن عدد من الموقوفين    عاجل: البرلمان البرتغالي يصوّت على منع النقاب في الأماكن العامة    كيفاش تحافظ على بطارية هاتفك لأطول فترة ممكنة؟    العثور على تمساح داخل مسبح منتجع فاخر شهير.. التفاصيل    عاجل: تونس الأولى عربياً وإفريقياً تتأهل للنهائي العالمي للروبوتات    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    لا تدعها تستنزفك.. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة    المشي للوراء.. السرّ الجديد وراء صحة باهية    تحذير عالمي من مادة كيميائية في لهّايات الأطفال    ضغط الدم ليس قدرا...4 تغييرات بسيطة في حياتك تخفضه من دون دواء    يتقدمهم البطل احمد الجوادي.. 51 رياضيا تونسيا يشاركون في دورة العاب التضامن الاسلامي بالرياض    بطولة الرابط الثانية (الجولة5): تعيين مباراة تقدم ساقية الدائر وامل بوشمة يوم الاربعاء القادم    اختتام فعاليات الدورة السادسة للصالون الدولي للأجهزة والخدمات والتكنولوجيات الحديثة للسلامة    وزير الشباب والرياضة يُدشّن عددا من المشاريع الجديدة ويطّلع على واقع المنشآت الشبابية والرياضة بولاية المنستير    آخر أجل للترشح لجائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري يوم 31 جانفي 2026    أقل من 17 ألف تونسي يحمل صفة متبرع في بطاقة التعريف    كاس الكنفدرالية الافريقية لكرة القدم: النجم الساحلي ينهزم امام نيروبي يونايتد الكيني    مشروع قانون المالية 2026 يقترح اقتطاعات جديدة لدعم صناديق الضمان الاجتماعي وتوسيع مصادر تمويلها    بلاغ هام للإدارة العامة للديوانة..    البرلمان يَعقدُ جلسة عامّة حول قابس بحضور وزيرَيْن..    قابس: نقابتا أطباء القطاع الخاص وأطباء الأسنان تؤكدان أن الوضع البيئي خطير ويستدعى تدخلا عاجلا    رسميا..مدرب جديد لهذا لفريق..#خبر_عاجل    اليوم يا توانسة: الجولة العاشرة من الرابطة المحترفة الأولى ..شوف الوقت والقنوات    يوم مفتوح للتقصّي المُبكّر لارتفاع ضغط الدم ومرض السكري بمعهد الأعصاب..    حالة الطقس اليوم..أمطار رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تحذير: أمطار رعدية غزيرة وجريان أودية في جنوب تونس وغرب ليبيا    عرض موسيقي تكريما للمطربة سلاف يوم 23 اكتوبر الحالي    أريانة : افتتاح الموسم الثقافي 2026/2025    ارتفاع مرتقب للاستثمار في الصناعات الكيميائية والغذائية في السداسي الثاني من 2025    معهد الرصد الجوي للتوانسة : برشا مطر اليوم و غدوة..!    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    الغاز والبترول في تونس: الاستهلاك في ارتفاع والإنتاج في تراجع    إمرأة من بين 5 نساء في تونس تُعاني من هذا المرض.. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير الإقتصاد يُشارك في اجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد.. ويجري هذه اللقاءات    مشروع قانون المالية 2026: رضا الشكندالي يحذّر من "شرخ خطير" بين الأهداف والسياسات ويعتبر لجوء الدولة للبنك المركزي "مغامرة مالية"    مصر: تفاصيل صادمة في اعترافات طفل قتل زميله وقطّع جثته تأثراً بالألعاب الإلكترونية    اليوم وغدا...أمطار غزيرة مع رياح قوية بهذه الجهات    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    5 عادات تجعل العزل الذاتي مفيدًا لصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"دريم سيتي" يكرّم حرفيات سجنان بمعرض "Laaroussa Fragment" في قشلة العطارين
نشر في الشروق يوم 12 - 10 - 2025

يتردّد صدى حرفيات سجنان في قشلة العطارين بمدينة تونس العتيقة وهنّ يتحدّثن عما جادت به أناملهن من إبداعات تشكيلية للطين. هؤلاء النسوة الكادحات قدمن من منطقة سجنان التابعة لولاية بنزرت حاملات معهن ذاكرة فنية وإنسانية متجذرة في الأرض والطين والنار. لا تتكلم النسوة كثيرا بقدر ما يتركن أيضا للطين أن يحكي عن التهميش وعن الحلم وعن الحياة عبر أوان أو دمى هي قطع من الذاكرة والهوية ونداء من نساء يصنعن من الطين كرامتهن اليومية.
وفي قشلة العطارين وهي واحدة من المحطّات التي تستقبل جمهور الدورة العاشرة من تظاهرة "دريم سيتي" (3 - 19 أكتوبر 2025)، يقام معرض لمنتوجات حرفيات سجنان في مبادرة فنية وثقافية لجمعية "الشارع فن" من أجل إعادة الاعتبار لموروث نسائي ظل مهمشا رغم عمقه الحضاري والرمزي.
وراء كل قطعة فخارية معروضة قصة طويلة تبدأ في أعالي المرتفعات الوعرة بسجنان، حيث تقطع النسوة مسافات شاقة لجلب الطين الغني بمادة الكلس ما يجعله أكثر صلابة ومتانة. هذا الطين لا يشترى جاهزا وإنما ينقل من أماكن بعيدة على حسابهن ثم يُحضّر منزليا بعناية عبر عملية نقعه في الماء أولا ثم عجنه وتمليسه باليد لاحقا.
بعد مرحلة التشكيل، تبدأ رحلة التجفيف التي تتم تحت الظل لا تحت الشمس وذلك تفاديا لتشقق القطعة. ثم تطلى الأواني أو الدمى برسومات ونقوش مستوحاة من التراث والمعتقدات الشعبية لتوضع لاحقا في النار باستخدام الحطب الذي تشتريه النساء أيضا من مواردهن الخاصة.
هذه الدورة الكاملة تستغرق حوالي 6 أيام من العمل المتواصل على قطعة واحدة، إذ يبدأ الجهد المضني من جلب المادة الخام ولا ينتهي عند طهي الفخار بل يتعداه إلى التزيين والتسويق.
بحسب تصريح للخالة صبيحة، يبلغ عدد النساء اللاتي يشتغلن في الفخار اليدوي بسجنان حوالي 380 حرفية وأغلبهن من عائلات محدودة الدخل. ويمثل هذا النشاط اليدوي مصدر رزقهن الوحيد الذي ينفقن منه على أسرهن. وداخل المعرض في قشلة العطارين حيث يطّلع الزوار أيضا على عملية تشكيل الطين بصورة مباشرة، لا تعرض فقط قطع فنية وإنما يعرض التعب الحقيقي لنساء لا يعرفن الراحة. وإحدى هؤلاء النسوة هي امرأة تجاوزت الستين من عمرها تمتهن صناعة الفخار منذ أن كانت في سن العاشرة. تبدو علامات التعب والحرمان على وجهها ويديها تنطقان بصمت طويل من العمل الشاق، لكن رغم تقدمها في السن تواصل العمل كأنها تقاوم الحياة بالفن.
قبل مشاركتها في المعرض، كانت تقف على قارعة الطريق في منطقة شبه مهجورة تنتظر سيارة عابرة قد يتوقف سائقها لشراء تحفة فنية. وتقول بصوت مبحوح ومقاوم "نحن نتعب ونشقى من أجل قوتنا وقوت أبنائنا... نبيع القطعة الواحدة بعشرة دنانير أو أقل". وتساءلت عن دعم الدولة لهن رغم تسجيل هذا العنصر على لائحة التراث غير المادي لليونسكو سنة 2018.
وعبّرت عدد من الحرفيات المشاركات في المعرض من الحرفيات عن استيائهن من تعامل بعض الجمعيات التي تعرض منتجاتهن بأسعار زهيدة، وتستفيد من مجهوداتهن في معارض داخل تونس وخارجها دون تمكينهن من مستحقاتهن كاملة. لكنهن قمن بتثمين دور تظاهرة "دريم سيتي" وجمعية "الشارع فن" عبر منحهن فضاء حيويا في قلب مدينة تونس العتيقة لعرض منتوجاتهن وبيعها ضمن تظاهرة "دريم سيتي". وقد اعتبرن أن هذا الإطار الفني والثقافي يمنح منتوجاتهن قيمة رمزية وفنية وإنسانية ويخرجها من خانة الفولكلور الاستهلاكي إلى خانة التراث الحي والهوية المقاومة.
ورغم هذه التحديات، كان لفخار نساء سجنان موقع عالمي مرموق، إذ تم تسجيل المعارف والمهارات المرتبطة به ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي لليونسكو، بعد عمل دام سنوات بدأ منذ 2016 وتواصل حتى 2018.
وقد دعمت هذه الخطوة الدولية بقوة مطلب الاعتراف المحلي وساهمت في إبراز البعد الإنساني والرمزي لهذا الفخار الذي يتميز عن بقية أنواع الفخار في مدن تونسية أخرى. ففخار سجنان يصنع يدويا بالكامل دون آلات على عكس فخار نابل أو المكنين أو جربة حيث يسيطر الرجال وتقنيات الخراطة على الحرفة. أما فخار سجنان فهو أنثوي وريفي وعضوي يرتبط بالقرية والطبيعة والإيمان العفوي بالمقدس والرمزي.
وتتنوع أشكاله بين الأواني والعرائس والحيوانات الرمزية مثل السلحفاة والسمكة والخمسة التي ترمز إلى جلب الحظ وطرد النحس... وكلها رموز تحيل إلى مفاهيم الحماية والخصوبة وطرد الشرور. أما الرسومات التي تزين القطع فهي ليست فقط جمالية وإنما هي نقوش بربرية قديمة تعبّر عن الحياة والحرية.
وقد أمضى الفنانان سفيان وسلمى ويسي وقتا طويلا في سجنان، حيث انغمسا في الحياة اليومية للحرفيات وراقبا عن كثب طقوس العجن والتشكيل لهذه الإبداعات المصنفة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في سنة 2018.
ومع مرور الوقت، لم يبق سفيان وسلمي ويسي في موقع المتفرّج ليندمجا سريعا في نسيج هذه التجربة وتعلّما كيف تتحوّل الأنامل إلى أدوات تفكير وكيف تصبح اليد وسيطا بين الأرض والذاكرة. وفي قشلة العطارين، يخرج هذا العمل من طابعه كمعرض تقليدي ليتحول إلى مساحة تفاعلية حية بين الحرفيات والجمهور وليصبح مختبرا من الضوء والحركة والصوت والصورة حيث يدعى الزائر للمشاركة في الطقس نفسه من لمس للطين وتشكيله ليشعر هو الآخر بنبض الأرض بين كفي اليدين.
ويعتبر هذا المعرض مفتاحا لفهم جوهر العمل. ف"العروسة" بما هي دمية مصنوعة من الطين هي شظية نابضة من ذاكرة النساء ومن قصصهن وأوجاعهن وأفراحهن الصامت. و كأنها قطعة متكسّرة من تمثال غير مرئي أو ومضة من حكايات طويلة حُفرت في الطين وتركت لليد مهمة تشكيلها وتطويعها إلى قطعة فنية فريدة من نوعها رغم بساطتها ظاهريا.
ولا يقدم المعرض الحرفة كتراث لا مادي وإنما يُبرز عرائس الطين كفعل مقاومة وكوسيلة تعبير عن الحرية حيث تتحول الحرفة إلى شعر يومي والفن إلى لغة تعبيرية للجسد الجماعي. فأنامل النساء التي أبدعت تشكيل الطين هي ترجمة لأفكار ومشاعر وأحاسيس مكبوتة في الوجدان الجمعي للنساء الحرفيات الكادحات.
في هذا السياق، يُفرد المعرض ركنا خاصا لنتاج أكثر من ستين حرفية من نساء سجنان وهي تحية رمزية إلى ذلك الجهد الصامت وإلى ذلك الجمال الذي يُصاغ في الظل بعيدا عن الأضواء. إذ أن كل قطعة طين وكل عروسة كل تحمل أثرا من امرأة ومن بيت ومن مكان ومن زمن.
ويستكمل المشروع شكله الأدائي في العمل المسرحي الكوريغرافي "Laaroussa Quartet" الذي يعرض على ركح مسرح ريو أيام 16 و17 و18 و19 أكتوبر 2025 على الساعة السابعة مساء. وتجتمع في هذا العمل فنون الكوريغرافيا والأداء والفيديو والموسيقى الحية حيث يجسّد 6 فنانين على الخشبة إيقاع الحرفة النسائية محولين الجسد إلى المسرح إلى فضاء ذاكرة رمزي.
ويختتم العرض بلقاء مفتوح مع الفنانين يوم السبت 18 أكتوبر لمناقشة الرؤية الفنية التي تقف خلف المشروع والتفكير في العلاقة بين الفن والعمل اليدوي بين الحرفة والحرية.
الأخبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.