حلقات يكتبها: عبد الرؤوف المقدمي بعد مرحلة المخاصمات والخناقات مع العشيق التي توقفت عندها امس السيدة «روبر نوروود» تبدأ عند مدمنة العشق، مرحلة جديدة، تقول في شأنها المختصة النفسية: في هذه المرحلة ستوجه العاشقة اتهامات وهمية لأطراف اخرى بالمساهمة في تعفن وضع العلاقة مع الحبيب (الاصدقاء، الزملاء، العائلة...) فتنتفي عندها كل ممارسة لأي نشاط اجتماعي.. وهذه العزلة ستساهم بدورها في عزل الحقيقة عن العاشقة. لقد اصبحت علاقتها تمثل كل عالمها! لقد استحوذت عليها العلاقة كل الاستحواذ، وتسلطت عليها كل التسلط، وحاصرتها كل المحاصرة. وكل هذا يثبت حسب المختصة الامريكية، ان مفهوم المرض ينطبق على حالات العشق الكبير، الذي يصبح ضربا من ضروب الادمان، بل التعلق المفرط حتى بالادمان نفسه. وهو ما يجعل من الواجب تشخيص المرض وعلاجه. والعاشقة (مثل العاشق)، كلما واصلت هروبها وكذبها كلما بقيت مريضة. وهي بالهروب تنمّي حالة تبعيتها العاطفية. والكذب كثيرا ما حطّم البشر، وسبّب لهم مآسي لا تخطر على بال. ولن ترتاح الواحدة، وتحس بمعنى الراحة الحقيقية، الا متى قرّرت ان تعيش بلا كذب وكذلك الامر بالنسبة للرجل. فكثير ممن عاشوا قصص حب فاشلة ومريضة، انما كان ذلك بسبب الكذب. وبسبب غطاء خارجي نسجوه، لإخفاء فراغهم الباطني. فلا مكان للحقيقة حولهم، ظانين ان الغطاء الخارجي الجميل، والمنسوج من الاوهام سيكون حلا. مع انه لا يعوّض شيئا، ولا يدفع عنهم مشاعر الخوف والقلق الحاد والتوترات المتنوعة. وكم من مصير عاشق، تحدد في اللحظة التي ظن فيها انه محبوب بما زعم انه فيه. والواحدة (او الواحد) اذا دخلت في هذا المأزق لا تملك الا ان تواصل مزاعمها مع اضافة ضغوطات يتطلبها جهدها في التخفي والموارات. انه حقيقة لشيء مضن، ومفزع: قلق، توتر، ضغوط، تهديد. تلك هي كلفة الكذب. والمرأة المدمنة للعشق، دائما مرعوبة خوفا من هجران عشيقها لذلك تفعل اي شيء لتفادي القطيعة. فالهجران متعب، وهو يعني الضياع، بل ربما عنى الموت. ومنه الهجران او التخلي الفعلي، والهجران العاطفي، وكل عاشقة عرفت طعم الهجران العاطفي، مع كل الفراغ والفزع اللذين يحدثهما. فلا شيء اهم، واثمن عندها من الرجل الذي تعلقت به وهو ما يحثه على التلاعب بمشاعرها، ويحثها هي على استنباط حيل جديدة لإرضائه. وهي مستعدة لتحمّل تبعات العلاقة كلها وضغوطاتها على حساب راحتها وتوازنها النفسي والبدني. فهي تعتقد ان تناسق العلاقة شغلها وحدها وهذا ما يجد فيه، الطرف الآخر كل راحته. وهي تبلغ في احترامها لنفسها، وتقديرها لذاتها، ادنى المستويات فهي تعتقد انها كثيرة العيوب والأخطاء، وان عليها ان تعوّض ذلك وتشعر بالذنب بسبب ذلك. وبالتالي فعليها الظهور في صورة اخرى، احسن وأفضل. وللعاشقة قناعة دائمة بأنها، لا تستحق السعادة والراحة، لكنها تحلم دائما بعلاقة مثالية، اسطورية فلا تستطيع التصرف في واقعها بالتالي. ان الرجل الذي يعذبها ولا يجعلها تدرك اي معنى للسعادة، يصبح في خيالها رجلا آخر. ولانها تجهل معنى السعادة في العلاقات ولأنها لم تتعود على ارضاء حاجاتها العاطفية فإن عالم الخيال يبقى ملجأها الذي تتطلع اليه. تعيش العاشقة في هذه الحالة، ميلا للألم وللتبعية العاطفية وتؤجل دائما اكتشاف انهيارها العصبي، بالمضي بحماس ولهفة، في علاقتها غير المستقرة، بدون ان تأبه كثيرا لسلامتها الشخصية. وهي تستعمل تعلقها المبالغ فيه بالآخر، لتهرب من الخوف والألم والفراغ، فتصبح علاقتها مسكّنا يساعدها على تجاوز كل المشاعر الطبيعية التي في البشر. اما حالة انهيارها العصبي، فتجعلها تبحث بطريقة لا واعية عن حلول غير معقولة. لان ما يهمها هو انجاح العلاقة التي لن تنجح، وليس النظر بتبصّر لواقعها الصحي النفسي والبدني. والمرأة المنهمكة في علاقتها تضيف لذلك فوضى في تغذيتها إما بالانهماك في الأكل او بعدم الاكل، هذا اذا لم تدمن على التدخين، وكل انواع الادمان الاخرى. وعندما يتطوّر المرض يولّد مشاكل بدنية ونفسية اضافية وتقلقات ناتجة عن الوضعية الطويلة، للقبوع تحت الضغوطات. وبالنتيجة يمكن ان تظهر جميع امراض الحساسية والمعدة والأعصاب وغيرها، ثم تنمو فترات الاكتئاب والإنهيار العصبي، فتصبح مفزعة وخطيرة. وهذا يمثيل بداية للمرحلة الدائمة والمزمنة للمرض عند العاشقة، التي ستكون القدرة على التفكير، ضعيفة جدا عندها. مما يجعلها غير قادرة بالمرة، على التحكم في وجودها وتوجيهه. ولانها وصلت الى مرحلة كرهت فيها كل الناس فإنها تتسيب على محيطها، وتبدأ في التهديد بالانتحار الذي توجهه خاصة للرجل الذي احبته. وهي بذلك تمكر، فهي تريد ان تشعره بالذنب بغاية التحكم فيه. وربما اقدمت على الانتحار. وكم من واحدة تنتحر يوميا او تموت، بسبب امراض مصدرها العشق. لكن انهماك الناس في الحياة اليومية يجعلهم غير مهتمين بهذه الحكايات التي لو دققوا النظر فيها وتخلّوا عن مجرد التسلي بها والتندّر بأصحابها وصاحباتها لوجدوها على غاية من الاهمية. خاصة ان هذا المرض يمكن ان يصيب كل من ظنّ انه محصّن ضده، وانه اقوى من الخضوع له، فيما لو اصابه!