لا تعرفو، لا في طهر ولا في نزاسة (مثل تونسي) حلقات يكتبها: عبد الرؤوف المقدمي ومن الأمراض النفسية التي لا نعرفها ولا نفهمها مرض الحبّ رغم انه يضرب بقوة. وكثير من الجرائم التي نقرؤها باهتمام واستغراق، وراءها تشنج عاطفي. ونحن لا نهتم الا بتفاصيل هذه الجرائم، لكن السبب رغم غرابته، وأقصد سبب الجرائم، لا يحظى دائما بنظر كثير انه دائما آخر ما نفكر فيه ربما لأننا نعتقد أنه تافه. والعاشق عندما يصيبه هذا المرض ترمي عائلته التهمة على المعشوقة أو الزوجة او أطراف أخرى. ويصبح العاشق ضحية للسحر في الغالب او ضحية لمؤامرة في بعض الأحيان. وكثير من هؤلاء «الضحايا» يقرون بحبهم الشديد، وتعلقهم المفرط بحبياتهم وبعدم القدرة على العيش بدونهن. إلاّ أنهم عندما يصلون في المرض الى مراحل متطورة يصيبهم اعتقاد، بأنهن سحرنهم وهن فعلا قمن بذلك، لكن عبر سحر أنوثتهن وليس عبر «الحروزات»، ووسائل السحر الأخرى. لنتذكر تلك الجريمة البشعة، التي شهدتها ضاحية شرقية للعاصمة، والتي قتل فيها الزوج زوجته وهي أم لثلاثة أبناء من صلبه. قال هو في التحقيق أنه يحبها ودفعه حبّه لطعنها ثلاثين طعنة. وهو يعتقد أنه بهذا التبرير أسقط كل مسؤولية. واعتقدت عائلته إعتقادا جازما أنها سحرته. أما الطب فله تشخيص آخر، إن هذا الرجل شديد التعلق بزوجته لحدّ الافراط، يعاني منذ صغره من اضطرابات نفسية لم تكن في الأول واضحة ثم جاءت ظروف أبرزتها ثم طورتها فأصبحت مرضا فجنونا. وما خالف هذا التشخيص مجرد لمعشوقها، وهو يمثل ظاهرة عادية في بعض الأرياف التونسية. طبعا عادية في حدوثها وتكررها. إنّ الشيخ لا يستطيع ان يفهم ما حدث ولا يريد ان يقبل بأن ابنته رغم خجلها وطاعتها وقيمها، لم تستطع صبرا على العيش بدون من تحب، وأنها فكرت ثم قدّرت، وفضلت العيش معه مضحية بشرفها، وشرف عائلتها، رغم حبها لعائلتها، والابنة بالنسبة لوالدها إمّا «مسحورة» وهذا أفضل تبرير ينزل على الصدر بردا وسلاما، وإما مغرّرة ومتعرضة لضغوطات. والحقيقة أنّ سلطان الحب تمكن منها وخلق فيها تمردا على كل العادات التي ورثتها بل واعتبرتها قيما. ولا يهم ان قيل أنها مجنونة. بل لا يهم ان كانت فعلا كذلك! يؤكد الدكتور لطفي بوغانمي، أن التعلق العاطفي المفرط، هو في حدّ ذاته أمر غير عادي بالمرة، إنه طريقة تعامل، وطريقة عيش، وآلامه تظهر عند حصول القطيعة بأي سبب كان خيانة او هجرانا او تغيّر مزاج. وقتها تتطور هذه الآلام وتصبح مرضا، وربما جنونا. اذا تطور المرض. ويوضّح أكثر، انه بالمعنى العلمي، لا يوجد مرض اسمه مرض الحبّ، لكن المعنى العلمي لا يدحض أيضا هذا المرض ووجوده. بمعنى أوضح، ان الواحد يعيش علاقة حبّ، ثم يفشل فيها فتظهر عنده أمراض بسبب هذا الفشل، مثل أمراض القلق، والوسوسة والاكتئاب والهستيريا وغيرها وهذه الامراض ستطور فيه بالضرورة أمراضا جسدية أخرى. سألته: هل يصل الواحد بفشله العاطفي الى درجة الجنون؟ أجاب: نعم يصل الى الجنون والى الجنون التام. ولا يوجد دواء للتسلط العاطفي. الأدوية الموجودة هي للامراض الناتجة عن الفشل. سألته بعدها، هل النساء هنّ الأكثر عرضة أم الرجل؟ فقال المرض لا يفرّق بين الجنسين، رغم وجود بعض الامراض التي تتكاثر عند النساء، وأخرى تكثر عند الرجال. وما أستطيع تأكيده هو أن النساء، يعرضن أنفسهن أكثر من الرجال في حالة التقلقات والاضطرابات العاطفية هذه. هنّ الاسرع الى الطبيب. ومن الملفت أن كلّ أسباب الحبّ الغريبة الموجودة في كتب التراث حصلت ومازالت تحصل في تونس. وليس غريبا أن عدّة نساء ورجال تعلقوا بأبطال مسلسلات تلفزية، أو أفلام سينمائية، هذا الأمر يكاد يكون عاديا لكن الغريب ان يصل الواحد أو الواحدة، الى تعلق مفرط ببطل المسلسل او ببطلته، ثم يمرض فيذهب للطبيب النفساني. وليس مدهشا أن تتعلق المرأة أو الرجل تعلقا يدوم في الذّهن والخاطر عدّة أيام بمن صادفه مرّة في حفل، أو عرس، أو مقهى، أو نزل، لكن المدهش هو احتفاظ البعض بتلك الصورة لشهور طويلة، وربّما لسنوات، ثم يعيش معها في خياله ويبني عليها وبها حياة عاطفية مذهلة، تحتوي على أحداث مفصّلة، وقد وصل البعض من هؤلاء الى مرض الشيزوفرانيا المتطور.