* حلقات يكتبها عبد الرؤوف المقدمي توجد أسطورة يونانية قديمة تقول إنّ إله الحب وإله الجنون كانا صديقين حميمين، ثم نشبت بينهما معركة، فخرج إله الحب فاقدا لبصره. واجتمع مجلس الآلهة وبعد التحقيق والمداولة قرّر أن يعاقب إله الجنون عن جريمته بأن يقول إله الحب طوال الحياة: مساكين أهل الحب والهوى إنهم يتّبعون أعمى... يقوده مجنون ويبدو أن اللغة العربية استوعبت فعلا، هذا القول ولعل تعريف أهل اللغة له، أي الحبّ، وترتيبهم لمقاماته، ما يدلّ على هذا الاستيعاب. وقد وضع هؤلاء عموما عشرة مراتب أو مقامات أتت كالتالي: الهوى: وهو ميل النفس العلاقة: وهو الحب اللازم للقلب. الكلف: وهو شدّة الحب وأصله الكفلة وهي المشقة. العشق: وهو فرط الحب وأصله من العشقة، وهو اللّبلاب لأنه يتلوّى الشجر ويلزمه. الشغف: أي إصابة الحبّ لشغافة القلب، وهو غلاف القلب. الجوى: وهو الهوى الباطني، وهو الحرقة وشدّة الوجد، وأصله داء يكون في الجوف. التّتيّم: وهو أن يستعبد الحبّ الواحد فيصبح عبدا له منقادا اليه. التّبل: وهو أن يقعده الهوى عن الحركة ويسقمه. التدلّه: وهو ذهاب العقل من الهوى. ويقال دلهه الحبّ أي حيّره. الهيام: وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه. والهيام بالكسر الإبل العطاش. وقد اختلف أهل اللغة في هذا الترتيب وفي التعريف أيضا فأضافوا: الولع، والصبابة، والخلّة وغيرها. وقيل: الحبّ هو الألفة وقد أشتقّ من حبّة القلب. والمحبّة هي ميل دائم للقلب العاشق او الهائم: الحب أوّله ميل يهيم به قلب المحبّ فيلقى الموت كاللعب، يكون مبدؤه من نظرة عبرت او مزحة أشعلت في القلب كاللّهب. والعلاقة إسم لمبادئ المحبة، ويجوز ان يراد بها شدّة اختلاط القلب بالحبّ ويقرب منها الغرام، وهو أشدّ لأنه ولع واشتغال بالحب، والهوى مطلق الميل والارادة، ويطلق على ذهاب العقل في العشق. وأمّا العشق فهو إفراط في الحب وأخذ من العاشقة وهي الشجرة، تعلق وتلصق بما يليها. والغمرة سكر القلب إشتغالا بالحب، والشغف شدّته وعنه ينتج الوله ثم الهيام. أعانقها والنفس بعد مشوقة اليها وهل بعد العناق تدان وألثم فاها كي تزول صبابتي فيشتد ما ألقى من الهيمان كأن فؤادي ليس يشفي غليله سوى أن ترى الرّوحين يمتزجان والوجد شدّة الحب أيضا، والكلف الاستغراق، والغلّ شدّة العشق، والجوى ضيق الصدر وكتم الهوى. والدّله احتراق القلب بنار الحب. وكما ربطت اللغة في تعريفها للحب او للعشق بينه وبين الجنون، أو بينه وبين ذهاب العقل، أو بينه وبين المرض. فإنّ أمثالا ومقولات كثيرة لحكماء، أو لشعراء أو لأدباء، من الشرق والغرب من القدامى والمعاصرين، ذهبت الى ذلك. في ربط الحبّ بالجنون قيل أعقل ما في الحبّ جنونه، وقال آخر ان ألذّ ما في الحب الجنون. وقد يسلك الرجل الحكيم في حبه سلوك المجانين. ولكنه لا يسلك سلوك البله. وقيل ان جنون الحبّ من التصوّف. وقيل أيضا اذا صحّ أن المجانين في نعيم فان متعة جنون الحبّ لا مثيل لها. والمحبّ المحبوب خطّان متوازيان يحلمان في امتدادهما حلما جنونيا خلاصته ان يلتقيا. في تضارب الحبّ مع العقل كلّما كبر الحبّ صغر العقل، واذا كان للعقل أثره في كل شيء فالحبّ وحده هو الذي لا يخضع لرأي تدبّره العقول ولا لفكر تتقصّاه الأذهان والفهوم. هكذا قال العقاد. وقال أحد الفلاسفة الحبّ والعقل لا يتفقان. وقال آخر ربما كان من الخير أن تحبّ بعقل ورويّة، ولكن من الممتع حقّا أن تحبّ بجنون. وقيل عندما يدخل الحب من الباب يقفز العقل من الشباك. وقال أحد الحكماء اذا فكّرت في الحبّ بعقلك ضيّعت فكرك. وألدّ أعداء الحب هو العقل كما ذهب لذلك آخر. في اعتبار الحبّ مرضا الحبّ مرض الفؤاد حيث لا مرض. الحبّ كالمرض الخبيث يتسلّل خفية الحبّ هو تسمم في الجسم. بهذا قالوا. وقالوا أيضا الحبّ مرض لكنه جميل، وقال آخر لا يمكن مقارنة الحب مقارنة حقيقية الا بمرض الحمّى، لأنّ في كليهما درجة مرض، واستمرارهما ليس تحت تصرّف الانسان. وزادوا الحب داء حار عظماء الأطباء في دوائه والرجل يصاب بمرض الحب فيتحول من صياد الى طريدة. وقال المنفلوطي الحب مرض يشتهيه السليم.