* حلقات يكتبها : عبد الرؤوف المقدمى قال الجاحظ : العشق اسم لما زاد عن المحبة. وقال أعرابي : العشق خفيّ أن يرى، وجلي أن يخفي فهو كامن ككمون النار في الحجر، وقيل أول العشق النظر وأول الحريق الشرر. وفي كتاب «الأنيس الجليس» سأل أمير المؤمنين عن العشق، يحيى بن أكثم فقال : «سوانح للمرء فيهيم بها قلبه وتؤثرها نفسه. وقيل أيضا العشق مجهول لا يعرف ومعروف لا يجهل... صاحب مالك... وملك قاهر... مسالكه لطيفة ومذاهبه غامضة. وأحكامه جائرة. ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطى عنان طاعتها، وقياد ملكها وقوى تصرفها، توارى على الأبصار مدخله، وغمض في القلوب ملكه». وعرّف ابن حزم الحب بقوله الشهير «الحب أعزّك الله أوّله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة». وذكر في بعض كتب التراث إن الحب جرعة من حياض الموت، وبقعة من رياض الثكل. لكنه لا يكون إلاّ عن أريحية في الطبع، ولطافة في الشمائل، وجود لا يتفق معه منع، وميل لا ينفع فيه عذل. ووجد على صخرة مكتوبا «العشق ملك غشوم، مسلط ظلوم. دانت له القلوب وانقادت له الألباب وانخدعت له النفوس. فالعقل أسيره، والنظر رسوله، واللحظ حامله والتفكر جاسوسه، والشغف حاجبه، والهيمان نائبه، والعشق بحر مستقر غامض، ويمّ تياره طافح. وهو دقيق المسلك، عسير المخرج». جنون وقال ابن صاعد في «طبقات الأمم» عن فيتاغورس : العشق طمع يتولد في القلب، ويحدث اللجاج والإحتراق، حتى أن الدم يهرب عند ذكر المحبوب، وقد يموت من شهقة أو رؤية المحبوب بغتة. وفي كتاب «امتزاج النفوس» عن «جالينوس»، ان العشق من فعل النفس وذلك كامن في الأعضاء الرئيسية فمتى تمكن أفسدها. وفي كتاب «المتيمين»، نظر رجل الى معشوقته فغشي عليه. فقال حكيم إنه من انفراج قلبه اضطرب جسمه. فقيل له ما بالنا عند النظر إلى أهلنا (زوجاتنا) لا نكون كذلك، فأجاب محبّة الأهل قلبية، وهذه روحانية فهي أدق وأعظم وأكثر سريانا. وقال إفلاطون العشق غريزة تتولد عن الطمع. وهو يحدث عمى القلب عن عيوب المعشوق، وقيل العشق نصف الأمراض وشطر الأعراض وقسيم الأسقام. وجل الآلام عاقبته إفساد البدن وتعطيل الفكر والحاق العقلاء بأهل الجنون. وزاد أرسطو أنه جهل عارض صادف قلبا خاليا، وسلطانه من القلب ثم يتغشى على سائر الأعضاء، فيبدي الرعدة في الأطراف والصفر في الأبدان واللجلجة في الكلام، والضعف في الرأي والزلل والعثار، حتى ينسب صاحبه إلى الجنون، وذكرت أعرابية، إنه يذهب العقل وينحل الجسم، وعرف الأصمعي العشق للرشيد بقوله إنه شيء يستغرق القلب في محاسن المحبوب ويذهله عن مساويه فيجد رائحة البصل من المحبوب أعظم من المسك والعنبر. وقال في ذلك أحدهم، هو علة مشتهاة لا يودّ سليمها البرء، ولا يتمنى عليها الإفاقة، يزين للمرء ما كان يأنف منه ويسهل عليه ما كان يصعب عنده. في علامات الحب وأمراضه ورد في كتب التراث أن من علاماته غلبة السهو ونقص الأفعال والاستغراق، وهو استيلاء الاشتغال بالمحبوب عن النفس، وارتسام صورة المحب في الذهن والقلب مع محو ما سواها. ثم يستوعب الخيال ذلك فلا يبقى للعاشق تخيلا إلا صورة معشوقه. خيالك في عيني، وذكرك في فمي *** ومثواك في قلبي فأين تغيب وعن أحد الحكماء قوله، لكل مرتبة من المراتب العامة للمحبة حدّ وإن تعلق روح العاشق ببدنه كتعلق النار بالشمعة إلا أنه لا يطفؤها كل هوى. ويجزم داود الأنطاكي في كتابه «أخبار العشاق» إذا تقرر هذا وجمع إلى ما قررناه من مراتب تحريك الحرارة، ظهر علة اصفرار لون العاشق، وارتعاد مفاصله وخفقان قلبه... وإما حمرة المعشوق فهي إما من حياء وإما من خجل : يصفر وجهي حين أنظر حسنه *** خوفا ويدركه الحياء فيخجل ونفس المحب عالمة، بمكان معشوقها، كما يقرر ذلك ابن حزم، طالبة له قاصدة إليه، باحثة عنه، مشتهية لملاقاته، جاذبة له لو أمكنها جذب المغناطيس للحديد.