أجمل ما في رأس الإنسان أنه بين الكتفين أبشع ما في المتاحف، تمثال مقطوع الرأس أقذر ما في الحرب، نخلة مقطوعة الرأس 2 أجمل ليالي السنة، في رأي البعض، ليلة رأس الميلاد في نهاية كل عام، بداية كل عام. رأس يسقط، ورأس يرتفع ليسقط في النهاية رأس العام يتحوّل في نهاية العام، إلى ذيل ويولد، رأس آخر، وهكذا، وتلك الأيام يتداولها الناس 2 قبل أيام، وفي الأسبوع الأخير من كلّ ديسمبر يطلّ السؤال الوجودي برأسه المهيمن على أغلب المحادثات والمشاورات والمكالمات الهاتفية: هو: كيف ستقضي ليلة رأس السنة؟ والسؤال الموالي مباشرة هو: هل فكّرت في كبش العيد؟ وفي العام القادم 2005 سيقترب السؤال الثاني من السؤال الأول أحد عشر يوما. وفي عام 2006 سيقترب السؤال الأول من رأس العام اثنين وعشرين يوما. وفي عام 2007 سيكون السؤال الأول هو الثاني، والسبب هو أن رأس السنة الميلادية ثابت في مكانه لا يتزحزح عن غرة جانفي والدليل هو أن بابا نوال بقلنسوته الطويلة الحمراء ولحيته المصبوغة بالثلج الشتوي لا يتحوّل ولا يتبدّل. أما رأس الكبش الهجري، فيهاجر بمعدّل أحد عشر يوما كل عام. وما بين الرأسين، لا تكفّ الرؤوس عن التفكير في هذه الأعياد التي صارت لا تناقش. 3 في رأس السنة الميلادية : لا بدّ من تغيير الجوّ، ولا بدّ من الاحساس بلحظة الانتقال الرقمي وكأن الأمر بات قضاء محتوما وقدرا لا مناص منه مهما كانت التكاليف. 4 سمعتُ والعهدة على من روى: أن أحدهم لم يحجز في مطعم، بهدف قضاء رأس السنة الميلادية، ومع ذلك فإنه وجد فرصة تقول: لم تبق غير طاولة، الكرسي الواحد، للشخص الواحد، هو مائتان وخمسون دينارا (ثمن الفرجة والأكلة المقترحة) أما ثمن المشروبات الروحيّة «فخلّص على روحك». 5 لم أسمع أن مطعما دعا شاعرا واحدا ليقرأ شعره ويلقي كلاما غامضا أو واضحا، فالناس لا يستقبلون عامهم الجديد بالكلمات بل بالنغمات. يريدون أن يرقصوا ويأكلوا الحلوى. وقاطعني صديق من أهل الجريد له خبرة في الاحتفال برأس السنة: ما تقوله عن غياب الشعراء غير صحيح بالمرة. لقد رأيت ابن عمّي أبا القاسم الشابي المطبوع على الورقات النقديّة، رأيته يتقافز أو يسقط في خصور الراقصات. 6 وفي رأس الكبش الهجري لا يهدأ النقاش: هذه سنة وعادة. الأطفال يفرحون وهم يسألون منذ الآن عن كبش العيد. ويبدو أن هذا الرأي ليس رأي الأطفال، ولكنّه رأي الآباء الذين مازالوا يصرّون على الانتقام من طفولتهم بواسطة كبش العيد. كما يتملّك بعض الآباء إحساس بغياب الرجولة أمام أبنائهم، إن غاب كبش العيد. فلا بدّ أن يحضر الكبش كي يقتنع الأب بأنه صالح للأبوّة، ويقتنع الابن بأن الأب فاز في امتحان الأبوّة والرجولة. هكذا يقف الكبش بين الآباء والأبناء. لكأنّ الكبش الأقرن هو الذي يقرن بين الآباء والأبناء!!! 7 والسؤال يقول : هل تظهر الرجولة في الطفولة دون أن يكون الكبش ثالثهما. والخيال يقول: نتخيّل رجلا على الكتف اليمين وطفلا عن الكتف اليسار. وفي موقع الرأس يربض كبش لا يكفّ عن الغناء في يده سكّين وهو يذبح جيب صاحبه. 8 وهناك أسئلة تفرض نفسها بإلحاح : ماذا أعددنا لكبش العيد غير السكاكين المشحوذة؟ ما هي الثروة الحيوانية التي يستوجب استيرادها من بلدان أخرى؟ وكم تكلّف الدولة والشعب من ميزانية وعملة صعبة؟ هذه أسئلة قد لا يطرحها المواطن وهو في غمرة الشوق الى كبش العيد. 9 يُقال إنه قيل لجحا : ألم تسمع أن الحرب في المريخ فأجاب : ما دخلي، إني أسكن في الكرة الأرضية. ثم قيل له : الحرب في الكرة الأرضية. لتكن الحرب بعيدا عن بلادنا. الحرب في بلادك يا جحا. المهم أن تكون بعيدة عن مدينتي. الحرب في مدينتك يا جحا. المهم أن تكون بعيدة عن الحي الذي أسكن فيه. الحرب في الحي الذي تسكن فيه. المهم أن يبتعد الضرب عن بيتنا. الحرب في بيتك يا جحا المهم أن تنجُو غرفة نومي الحرب في غرفة نومك. المهم أن تنجو وسادتي. الحرب في وسادتك. المهم أن تبتعد عن رأسي... إلخ.. الخ.. الخ...