محمد مصمولي هو رائد قصيدة النثر التونسية هذه حقيقة ثابتة، كانت كتابته لها ليست كتابة العاجز عن قصيدة التفعيلة بل هي قناعته الفنية التي توصل إليها فكان ديوانه الرائد «رافض والعشق معي» الذي كاد أن يكون «بيضة الديك». أخذته البرامج الاذاعية والتلفزية تلك التي سماها «ماكس فريش» كتابات العيش، ولكنه ظلّ شاعرا حتى في برامجه، له لمساته التي لا نجدها عند آخر. ومع كل لقاء لنا وكثيرا ما نلتقي أو أُستضاف في برامجه، أعاتبه لمغادرته الشعر فكان يجيب ان لديه قصائد متناثرة هنا وهناك، يكتبها ويركنها، لذا تحول عتابي الى حثّ له بأن ينشر ما كتب، يستعيد دورا أسس له، يومها كانت قصيدة النثر محرّمة «يتطاول» على مقامها النظّامون حتى البائس منهم.. ثم أخبرني انه دفع للنشر ديوانه الثاني الذي اختار له اسم «في الصمت متسّع للكلام» وما أبلغ الصمت الذي فيه متسع للكلام، كيف لا؟ ومحمد المصمولي هو أحد أجمل الصامتين لكنهم في الآن نفسه الناطقون بالعذب من الكلام إذا ارتأوا أن ينطقوا. يسمي الناقد د. محمد صالح بن عمر قصائد مصمولي «القصائد المضادة»، وبما أن بن عمر قد عاش فورة السبعينات الأدبية التونسية ناقدا حيث صوت «غير العمودي والحر» وصوت الكبير طاهر الهمامي ورفيقه الحبيب زناد وغيرهما وحيث بواكير قصيدة النثر (خالد النجار ومحمد أحمد القابسي مثلا) فإن بن عمر رأى في تجربة مصمولي انها تمثل استحداث نمط شعري جديد (شخصي ملائم لحساسية الشاعر الفنية ونوعية تجربته). قد لا تحمل قصائد مصمولي في ديوانه الجديد تلك الاضافات المبهرة لقصيدة النثر التونسية بعد أن مضت في مديات متعددة وكثر شعراؤها ورفع عنها الحظر وتقزّم مناوئوها، ولكنها تظلّ تمتلك حساسية قيم التأسيس الأولى. من (مدّ وجزر) احدى قصائد الديوان يقول: (كما الظلّ عن الشجرة يرحل يعتريه الذهول فيخطئ العنوان ثم الى الشجرة يعود) ومصمولي كما الظل الى القصيدة يعود وكله شوق لأن لا ينسحب ثانية بل لأن يواصل. ديوان جدير بالاحتفاء. منثورات دار إشراق تونس 2011 في 110 صفحات.