ماذا جرى بالضبط في مطار تونسقرطاج الدولي يوم 14 جانفي 2011؟ من أوقف الطرابلسية؟ كيف تم إيقافهم؟ من أعطى الأوامر باحتلال المطار؟ ما حكاية الإنزال الجوي حول المطار؟ هل كان فوج مكافحة الإرهاب مستعدا لإلقاء القبض على زين العابدين بن علي الهارب؟ ما هي الحكاية الحقيقية؟سمير الطرهوني مدير الفوج الوطني لمجابهة الإرهاب عقد أمس ندوة صحفية بمقر الوزارة الأولى بالقصبة لتسليط الضوء على ما كان غامضا ولتقديم الرواية الحقيقية للعملية التي قادها شخصيا والتي أدت إلى إلقاء القبض على أفراد من عائلتي بن علي والطرابلسي.سمير الطرهوني كان موضوع نقاشات كبيرة في صفحات الانترنات وفي المواقع الاجتماعية الالكترونية كانت حكايات عديدة تُروى عنه وعن تفاصيل العملية التي قادها من كان يقف وراءه؟ولماذا لم يلق القبض على بن علي أو حتى يحاول منعه من الهروب؟الطرهوني قال إنه منذ سنة 2007 أصبح على رأس الفوج الوطني لمجابهة الإرهاب التابع لوزارة الداخلية بعد أن كان شغل مهام أخرى بحماية الرئيس وحماية الشخصيات.كان السؤال المطروح منذ البداية لماذا الآن؟لماذا كل هذا الصمت على مدى ما يقارب السبعة أشهر؟الطرهوني قال إن الوقائع التي سيرويها كانت موضوع تحقيقات لدى قاضي التحقيق وبالتالي لا يمكن نشرها إضافة إلى ما أسماه الروايات العديدة حول ما جرى وقال إن بعضها دقيق والبعض الآخر تنقصه الدقة.والتبرير الثالث مرتبط بما أسماه التسريبات الأخيرة أثناء محاكمة عدد من رموز نظام بن علي 9 أفراد من عائلته وعائلة الطرابلسية.بداية الأحداثأمّا عن الوقائع التي جدّت في المطار فإن الطرهوني وضعها في إطارها الزمني وقال إنها امتدت من الساعة الثالثة بعد منتصف النهار إلى الساعة السابعة مساء أي على مدى خمس ساعات.الرواية التي قدمها قال إنها مدعومة بالتسجيلات الأمنية للمكالمات الهاتفية انذاك وبصور فيديو تم تسجيلها في المطار.الطرهوني قال إن الفوج الوطني لمكافحة الإرهاب الذي يرأسه تم استعماله يوم 14 جانفي لتأمين مقر وزارة الداخلية.قال في حدود الساعة الثانية من مساء يوم 14 جانفي بلغ عدد المتظاهرين بين 20 و30 ألف متظاهر في شارع الحبيب بورقيبة.الانطلاقفي حدود الساعة الثانية و25 دقيقة قال إن مكالمة هاتفية من المسؤول عن الفرق العاملة بمقر وزارة الداخلية والتابعة لفوج مكافحة الإرهاب أفاده فيها بأنه تلقى تعليمات للتأهب للرماية يعني الاستعداد لإطلاق النار على المتظاهرين الطرهوني قال إنه طلب من مخاطبه نزع الرصاص وتعويضه بالغاز المسيل للدموع واستعماله وأضاف بأنه اتصل ببقية أفراد المجموعة فردا فردا خوفا من انقطاع الاتصال خاصة أمام الحالة التي كانت عليها وزارة الداخلية انذاك.الطرهوني قال إنه كان يخاطبهم من مكتبه ببوشوشة.العائلة تريد الهروبقال أيضا إنه كان ضمن خلية الأزمة في الفوج وكانوا يتابعون ما يجري عبر أجهزة الاتصال وعبر الهواتف وقال أثناء ذلك تلقينا عبر الجهاز معلومة تفيد بوجود شغب ورمي بالحجارة في محيط مطار قرطاج الدولي، فاتصل بزميله في المطار للاستفسار حول الموضوع بعدما يشبه غياب القيادات وأصبح الضباط ينسقون فيما بينهم.زميله واسمه حافظ العوني نفى رواية الشغب حول المطار وبشكل شخصي أبلغني بأن أفرادا من عائلتي الطرابلسية وبن علي يستعدون لمغادرة البلاد عبر المطار للهروب وقال الطرهوني: «بعد أن تلقيت هذه المعلومة تأكدت أن بن علي كان رئيسا للطرابلسية وليس رئيسا للشعب».وقال قبل ثلاث دقائق كنا سنرمي الشعب بالرصاص في الوقت الذي لم يكن فيه بن علي يقوم بشيء غير حماية عائلته.وأشار الطرهوني إلى أن العسكريين والأمنيين يعرفون ما معنى أن يطلق أفراد فوج مكافحة الإرهاب الرصاص على الناس وقال كانت ستقع كارثة لو أطلقنا الرصاص على الشعب.وكانت الإشارة هنا واضحة بأن فوج مكافحة الإرهاب لم يساهم في قمع الثورة وإنما بدأت مساهمته منذ يوم 14 جانفي.قال الطرهوني أثناء مكالمته مع زميله في المطار حافظ العوني لقد طلبت منه أن يقوم بتعطيلهم حتى لا يتمكنوا من الفرار في انتظار وصوله وبقية أفراد الفرقة ثم قال إنه اتصل بزوجته العاملة في برج المراقبة بالمطار وسألها عن وجود طائرة خاصة بأحد المرابض إذ كان يتصور أن العائلة ستغادر على متن طائرة خاصة، وطلب من زوجته أن توقفها إلى حين وصوله وأفراد الفوج الذي يرأسه.كلمة واحدةوأضاف: لقد التقينا في خلية الأزمة على كلمة واحدة وهي المساهمة في تلك اللحظة التاريخية، وقالوا إنّ بن علي كان يستبلهنا، إذ بعد أن كنا على بعد لحظات لاطلاق النار على الناس، هو يسعى الى تهريب عائلته وقرّرنا أن نتحمّل مسؤوليتنا في تلك اللحظة التاريخية.قال أيضا كنا 12 فردا من فوج مكافحة الارهاب، وانطلقنا على متن سيارتين في حدود الساعة الثانية بعد منتصف النهار وأربعين دقيقة وتوجهنا نحو مطار تونسقرطاج وقال وصلنا الى المطار في حدود الثالثة إلاّ عشر دقائق ودخلنا مباشرة الى القاعة الشرفية وكنا مدجّجين بالسلاح وعلى أهبة الاستعداد.وكانت التعليمات فيما بيننا بإلقاء القبض على الطرابلسية دون خسائر في الأرواح، وقال لقد أبلغنا زملاءنا من محافظة المطار بأنهم ينفذون تعليمات من فوق، خاصة وأنهم لا يتحرّكون إلاّ بتعليمات إمّا من وزير الداخلية أو الرئيس. وأضاف تجاوزنا القاعة الشرفية ووصلنا إلى معبّد الطائرة فوجدنا حافلة.طائرة سيرين بن علي وطائرة الطرابلسيةوقال إنه سأل زوجته عن الطائرة الخاصة فأبلغته بمكان وجودها في مرفإ تونيزافيا بالمطار فتوجهوا الى المكان فوجدوا طائرة خاصة صغيرة الحجم فسأل أحد المرافقين فأبلغه بأن سيرين بن علي هي التي كانت في الطائرة وقال «بصراحة إنّ سيرين بن علي لا تعني شيئا بالنسبة إلينا». فعاودت الاتصال لمعرفة الطائرة التي سيسافر على متنها الطرابلسية فقالوا إنها المتجهة الى ليون فتوجهنا إلى مكان وجودها وأضاف «اعترضنا الطائرة التي كانت محرّكاتها تشتغل بالحافلة ووجهنا نحوها أسلحتنا». وقال لقد سألت زملائي عن وجود الطرابلسية فقالوا لي إنهم في الحافلة لقد كانوا في الحافلة التي كنا على متنها لأننا لم نكن نعرف وجوههم فألقينا عليهم القبض وأخذناهم الى القاعة الشرفية، وكشف لنا الزملاء عن مكان اختباء المنصف الطرابلسي وبعد 5 دقائق كان عماد الطرابلسي يتصل بمحافظ المطار عبر الهاتف فنصبنا له كمينا وأبلغناه بأن الحالة كانت عادية بالمطار وألقينا عليه القبض بمجرّد وصوله ليبلغ عدد الذين ألقينا عليهم القبض 28 شخصا.السرياطي يتصلوأضاف بعد 5 دقائق اتصل السرياطي بمحافظ المطار الذي مرّر للطرهوني الهاتف فسأله عمن أعطاهم الأوامر لإلقاء القبض على أفراد العائلة، عندها قال الطرهوني لقد قطعت في وجهه الهاتف، فعاود الاتصال وأصرّ على معرفة من أعطاني التعليمات فقلت له «ربّي هو الذي أعطاني التعليمات»، ثم عاودت قطع الهاتف.في حدود الثالثة و35 دقيقة جاء المدير العام لوحدات التدخل الى المطار واستجلى الأمر وطلب منا اطلاق سراح المجموعة لكننا رفضنا ذلك، ثم طلبنا التلفزة وكانت غايتنا بث عملية ايقاف أفراد العصابة حسبما أسماهم مباشرة ليظهروا كرهائن ، لتكون يدنا مع يد الشعب.التمردثم بعد ذلك تلقيت مكالمة هاتفية من رئيس الفرق الخاصة بالادارة العامة لأمن الرئيس فطلبت منه أن يبتعد عن نظام بن علي ويلتحق بنا في المطار، وكانت لتلك المكالمة الوقع الكبير، وأثناء ذلك أيضا طلب من زميلي العقيد زهير الوافي أن يلتحق بنا أيضا، فالتحق دون تردّد مرفوقا بتسعة فرق من التدخل السريع، وكلمت آمر الوحدات المختصّة للحرس الوطني العقيد العربي لكحل فتخلّى عن حراسة القصر والتحق بنا، فالتقينا جميعا قرابة 170 عنصرا من الوحدات الخاصة كما التحق بنا الفوج الموجود بالمطار وكان متكونا من قرابة الستين عنصرا.وأضاف، بدا للجميع أن الوحدات الخاصة التي تمثل درع القوات الأمنية تخلوا عن المهام الأصلية والتحقوا بالمطار للعمل يدا واحد ضد النظام وكانت حركة التمرد جلية. هروب بن علي...النهايةفي حدود الساعة الخامسة و 47 دقيقة رأينا الطائرة الرئاسية تتحرك عن بعد وأقلعت ثم أعلمني أحد الزملاء بأن الرئيس غادر البلاد وهرب فشعرنا بالفرح لأنه لو فشلت تلك العملية لكان مصيرنا غير هذا المصير. الطرهوني قال عندما سئلت عن مصير الموقوفين عنده قلت سوف نسلمهم للجيش الوطني باعتبارها المؤسسة الشرعية الوحيدة عندها وبالفعل سلمناهم للجيش. وقال في حدود الساعة السابعة شاهد الجميع خطاب محمد الغنوشي وأضاف بأن العقيد سامي سيك سالم هو الذي كان وراء ذلك ولعب دورا كبيرا جدا عندما ملأ الفراغ الدستوري بعدما جلب الغنوشي والمبزع والقلال. وقال بعد ذلك اتصل بي محمد الغنوشي بعد 5 دقائق من خطابه وسألني إن كنت أنا من سيكون رئيسا أو سأضع من يكون في الرئاسة فابلغته بأن دورنا انتهى بمجرد القاء القبض على أفراد تلك العصابة. عزل ثم عودةوأضاف بعد يومين تم عزلي وإبقائي بمكتب المدير العام للأمن الوطني وقال لقد كان إيقافا منطقيا لأنه كان من الضروري التثبت من التعليمات والايقاف دام ليومين ثم تم بحثي بأمن الدولة وتبين أن العملية كانت من القلب ولم يكن وراءها أي أحد بعد يوم 16 جانفي تمّ إرجاعي إلى عملي بعد الأحداث الكبيرة التي كانت من اختصاص فوج مكافحة الارهاب تم استدعائي إلى وزارة الداخلية والتقيت وزير الداخلية والجنرال رشيد عمار الذي سألني عمن أرسلني فعاودت سرد الأحداث عليه فقبلني وطلب مني مواصلة مهامي وفي سؤال ل«الشروق» عما ذكره السرياطي مدير الأمن الرئاسي سابقا حول إنزال جوي حول المطار نفى الطرهوني ذلك وقال لم يكن هناك أي إنزال جوي بل كان هناك إقتحام وفي سؤال عن طائرة بن علي وما إذا كان فوج مكافحة الارهاب سيلقي عليه القبض إن وجد أمامهم لمنعه من الهرب قال إن ما قمنا به لم يكن مبرمجا وجاء بالصدفة وكانت لكل حادثة حديث (كل ساعة وساعتها).