محمد بن كيلاني طيّار تونسي برز اسمه يوم 14 جانفي وقيل إنه كان أول العاصين للأوامر الرسمية القاضية بنقل عائلتي بن علي والطرابلسي إلى خارج البلاد... بعدها تواترت بعض التصريحات الإعلامية المفنّدة لرواية بن كيلاني والقول بأنه تلقّى أوامر بعدم الإقلاع بالطائرة بهدف القبض على من هم بصدد محاولة الفرار. وفي آخر التصريحات حول ما جدّ في المطار يوم 14 جانفي والتي أدلى بها المقدم سمير الطرهوني رئيس فرقة مجابهة الإرهاب قبل أكثر من أسبوع تمّ تغييب اسم الطيّار مجددا رغم أنه كان من الممكن عدم تمكّن الطرهوني وفرقته من القبض على الهاربين لو أقلعت طائرة بن كيلاني. حاولنا الاتصال بالطيّار منذ شهر جانفي الماضي لكنه كان يرفض التصريح بذريعة أنه ليس بصدد استعراض بطولة بل هو أدى واجبا وطنيا كما أنه فضل عدم التحدث في الموضوع مع وسائل اعلام أجنبية واكتفى بالتصريح لها بأن التونسي ليس من شيمه الفوضى لانه يحب بلده وهو تقريبا ما صرّح به لقناة العربية الأمر الذي جعل مذيع الأخبار يتدخل في كل مرّة ويسأله عن اللحظات التي قرّر فيها عدم الاقلاع بالطائرة لكن بن كيلاني كان يراوغ في الرد في كل مرة ويكتفي بالقول انه يحب بلده وانه قام بالواجب لا غير. اتصلنا به مجددا بعد الاستماع لما صرّح به الطرهوني نسأله ماذا حدث؟ وماذا رأيت؟ وكيف حدثت عملية القبض على الهاربين؟ وهل كان حقّا عدم الاقلاع قراره أم أنّه كان مأمورا؟...رغبة منّا في البحث عن تفصيل آخر قد يساعدنا على نسج الصورة مكتملة في اذهاننا حول حقيقة ما حصل يوم 14 جانفي أولا في مطار قرطاج وثانيا في المطار العسكري حيث اقلعت طائرة الرئيس السابق دون رجعة. التقيناه مساء أمس الاول الاربعاء حيث فضّل الجلوس في مكان بعيد عن الاضواء في احدى مقاهي البحيرة...وحيث روى لنا تفاصيل ما حصل دون زيادة أو نقصان كما يقول. رحلة تعويض يبلغ محمد بن كيلاني 38 سنة من العمر وهو من خرّيجي مدرسة الطيران ببرج العامري دفعة 1996. بعد سنة من تخرّجه باشر مهمته كمساعد طيّار في الناقلة الوطنية تونس الجويّة إلى غاية عام 2006 أصبح بعدها قائد طائرة. قال انه خلال الرحلات لم يكن ينتبه لهويّة المسافرين وأنه ربّما قد يكون في السابق قد طار بأفراد من الطرابلسية أو بن علي. كان بن كيلاني يقود رحلة من مطار جربة يوم 13 جانفي وقد أمضى ليلته تلك في الجزيرة عاد بعدها صباحا إلى تونس وكان من المفترض أن يقود رحلة جويّة في حدود الساعة منتصف النهار إلى العاصمة لندن لكن تقديم هذه الرحلة إلى ما قبل الساعة المحددة جعل زميله يعوّضه... «فعوّضته بدوري في قيادة رحلة إلى مدينة ليون الفرنسيّة والتي كان من المقرر أن تقلع الطائرة في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال» وأضاف محدثنا الطيّار محمد بن كيلاني أن حالة الفوضى التي كانت تعيشها البلاد في تلك اللحظات وخاصة الغياب الواضح لعدد من العاملين في المطار جعل الرحلة تتأخّر عن موعدها إلى ما بعد الساعة الثانية بعد الزوال»... ولم يخف محدثنا أنه كان على علم بما كان يحصل في شارع الحبيب بورقيبة رغم تواجده في مقرّ العمل وبالتالي عدم تمكّنه من متابعة الاخبار في وسائل الاعلام. قال إنّ الأمور كانت على ما يرام إلى غاية الساعة الثانية و32 دقيقة اذ اتّخذ كل المسافرين (عددهم كان 113 مسافرا) مقاعدهم في الطائرة الرابضة في المربض عدد ب55 وليس ب3 كما قال المقدّم الطرهوني كما كان كل الطاقم جاهزا للإقلاع. الترخيص الأمني للمغادرة كان بن كيلاني ينتظر الترخيص الامني للمغادرة وهو الاجراء الاخير الذي يحصل عليه الطيّارون قبل الاقلاع حين تم اعلامه بأنه عليه انتظار مسافرين سيلتحقون بالطائرة... «حاولت الاستفسار فقالوا لي إنّه حوالي 5 عائلات هم عائلتي الطرابلسية وبن علي ويلزمهم من الوقت 15 دقيقة لاتمام اجراءات التسجيل قبل الصعود إلى الطائرة»...يدخّن بكثافة قبل أن يضيف «حينها فكّرت في القيام بشيء ما يمنعني من المغادرة لان مجيئهم يعني رغبتهم في الهروب من جحيم الشارع خاصة مع زيادة عدد المحتجين في شارع بورقيبة وقد تضاعفت رغبتي حين لاحظت تلك النظرة غير العاديّة في عيون من طلبوا منّي الانتظار من مسؤولين مسؤولي الامن كانوا فعلا غير راضين عن سفر هؤلاء لكنّ القرار كان علويّا على حدّ قولهم». دون أن يفارق سيجارته يضيف «هاتفت أحد المسؤولين النقابيين وقلت له «إنني لم أحصل على الترخيص الامني للمغادرة وانا مجبر على انتظار أفراد العائلة فردّ بطريقة غير مباشرة «اتصرّف»...حينها قلت لمساعد الطيّار لن أقوم بهذه المهمة وعلينا ايجاد خطّة مثلى لمغادرة الطائرة». يبتسم محمد وهو يطفئ سيجارته في المنفضة قبل أن يقول فكّرت في الهرب عن طريق احدى السيّارات التي كانت قريبة من الطائرة لكنني لم أعثر عليها كانت قد غادرت...واستغرق اتخاذ قرارنا بعدم المغادرة حوالي خمسة عشرة دقيقة أي حوالي الساعة الثالثة الاّ عشرة دقائق حين أسديت الاوامر للطاقم بافراغ الطائرة من المسافرين لأننا لن نقوم بهذه المهمّة وغادرنا قمرة القيادة وقد تصاعد تصفيق المسافرين وهتافاتهم عقب اعلان هذا القرار وقد كانوا تونسيّون وأجانب حتّى أن أحدهم وهو فرنسي مقيم في تونس أرسل لي بعدها رسالة شكر جاء فيها أنه فخور بتواجده في الرحلة التي كنت سأقودها عشية 14 جانفي. تخوف من الفشل قال الطيّار محمد إنّه كان متخوّفا من فشل خطّته في عدم القيام بالمهمّة وخاف التعارض مع المسافرين غير المرغوب فيهم في بهو المطار خاصة وانهم سيكونون مرفوقين بالامن الخاص...لذلك فكّر في التظاهر بالمرض فتظاهر بالسقوط في آخر درجة في سلم الطائرة. بعدها تمّ نقل الطيّار محمد بن كيلاني ومساعده إلى احدى المصحّات الخاصة بجهة ميتيال فيل عن طريق سيّارة اسعاف تابعة لديوان الطيران المدني...وهناك رفض الطيّار الحصول على أي نوع من الادوية «فقط كنت متخوّفا بعض الشيء حتّى أنني لم أطمئن لسيّارة رباعية الدفع ذات زجاج أسود ربضت قبالة الغرفة رأيتها عبر النافذة ما اضطرني إلى الزحف إلى غرفة مجاورة حيث وجدت أحد المجاريح وقد نجح مساعدي في الاتصال بصديقه فجاءنا للمصحة ورجعنا إلى المنزل». وقد علم بن كيلاني فيما بعد أن الراغبين في تهريب آل بن علي والطرابلسي إلى خارج البلاد عشيّة ذلك اليوم اتصلوا بطيّارين آخرين لتولّي الرحلة بسبب عدم قدرة الطيّار محمد بن كيلاني إلى القيام بالمهمة بسبب المرض لكنهم لم يحصلوا على ردّ ايجابي...الأمر الذي اضطرّهم ربّما لتحويل وجهة المسافرين غير المرغوب فيهم إلى الرحلة المتوجهة إلى ايطاليا عبر الناقلة الايطاليّة «آروان» والتي كانت طائرتها رابضة في المربض عدد3 لذلك تحدّث المقدّم سمير الطرهوني عن الطائرة في المربض3 على حدّ قوله.