تذكر الدراسات أن جوهرة الساحل استفادت كثيرا من مناخ السلم الذي ساد بين البيزنطيين والعبّاسيين فتطور عمرانها وترامت مساحتها لتصل الى 32 هكتارا. ويشير الدارسون الى أن سوسة تحوّلت من قاعدة أو حصن عسكري الى أحد أهم المدن بافريقية لتكون المتنفس البحري للقيروان. وقد مكن تشييد ماجل «الصفرة» وهو صهريج روماني قديم من حلّ مشكل تزودها بالماء الصالح للشراب عبر ايصال المياه الى داخل السور من خلال القنوات. كما تطورت الحرف خاصة منها الأقمشة التي راجت بالأسواق الخارجية. وكل هذه المصنوعات كان لها طابع المدينة الخاص بها والذي يميزها عن سائر مصنوعات البلدان الأخرى. فزينتها ذات جودة ممتازة وصابونها كانت له شهرة رفيعة لم تصل الى مرتبته الأنواع الأخرى وكان يعرف بالصابون السوسي وهو يصنع من زيت الزيتون والجيرونبات الغاسول عوضا عن مادة «الصودا» الكيمياوية لذلك امتاز بصفائه وجودته وعدم تأثيره على البشرة. كان الكتّان حسب الدراسات يزرع في الحقول الممتدّة على طول طريق تونس ما بين سوسة وحمام سوسة. وبعد أن ينضج هذا النبات تحصد سيقانه وتحمل الى المدينة فتستخرج اليافة وتغزل وتنسج في الحي الصناعي المعروف اليوم ب«الحوكة»، ذلك الحي الذي كان يضمّ أكثر من 1200 معمل للنسيج ومنسوجات جوهرة الساحل الكتانية كانت على غاية من المتانة والجودة. شهرة واسعة في الصناعة عرفتها سوسة في العهد الاسلامي فمنها الزيت الرفيع والصوف وأقمشة الحرير وكانت معاملها تغزل نوعا من خيوط الحرير يباع المثقال منها بمثقالين ذهبا. وتؤكد احدى الدراسات أن باديس الصنهاجي كان يأتي بنفسه لزيارة معامل النسيج بسوسة ويشجع أصحابها وكذلك فعل ابنه المعز من بعده. كما تحولت المدينة الى منارة دينية هامة حيث أقام بها عديد المرابطين والفقهاء الذين درّسوا العلوم الدينية أمثال أبو جعفر الأربعي (سيدي بوجعفر) ويحيى بن عمر «سيدي يحق» مؤلف كتاب «أحكام السوق» وأبو جعفر السوسي. وكان جامعها الكبير قبلة لطلاب العلم من العديد من الأقطار الاسلامية.