إضافة إلى إشتهارها منذ العهد الفينيقي كمرفأ بحري هام تميّزت مدينة سوسة على مرّ العصور بعديد الصناعات. ويذكر الأستاذ محمود زين العابدين في دراسة له نشرت بمجلة «منارة الساحل» ان المدينة كانت وإلى حدود القرن التاسع عشر الميلادي تحتل مكانة مهمّة بين مدننا وتشارك بنصيب وافر في الحركة الاقتصادية. فقد كان ميناؤها ميدانا فسيحا لحركة تجارية واسعة النطاق يمتدّ نشاطه بعيدا عبر البحار إلى البلدان المشرقية والأوروبية. فمن هذا الميناء تشحن السفن بالبضائع «السوسية» لتحملها إلى موانئ طرابلس والاسكندرية ونابولي ومرسيليا ثم تعود مشحونة بمنتوجات تلك البلدان إلى جوهرة الساحل. وبالنسبة لأهم الصناعات التي اشتهرت بها سوسة وكان لها رواج كبير في الأسواق الخارجية نجد الزيت والصابون والكتّان والصوف. دراسة أخرى تؤكد هذا حيث أوردت أنه كانت للمدينة شهرة واسعة في الصناعة وفي أسواق التجارة ابتداء من القرن العاشر قبل الميلاد فمنها الزيت الرفيع وأقمشة الحرير والصوف. وكانت معاملها تغزل خيوطا من الحرير يباع المثقال منها بمثقالين من الذهب وكان باديس الصنهاجي يأتي بنفسه لزيارة هذه المعامل ويشجع أصحابها وكذلك فعل ابنه المعز من بعده. 1200 معمل بالحوكة ودائما مع مصنوعات سوسة يذكر الأستاذ محمود زين العابدين أنها كان لها طابع المدينة الخاص بها والذي ميزها عن منتوجات البلدان الأخرى فزيتها ذو جودة ممتازة وصابونها كانت له شهرة رفيعة لم تصل إلى مرتبته الأنواع الأخرى. كان يعرف ب«الصابون السوسي» ويصنع من زيت الزيتون والجير ونبات «الغاسول» عوضا عن مادة «الصودا» وكذلك امتاز بجودته وصفائه وعدم تأثيره على الجلد. أما الكتان فكان يزرع في الحقول الممتدة على طول طريق تونس ما بين سوسة وحمام سوسة وبعد أن تنضج هذه النبتة تحصد سيقانها وتحمل إلى المدينة فستخرج اليافها وتغزل وتنسج في الحي الصناعي وكانت تسمى الكتانية كانت على غاية من الجودة والمتانة. ولكن مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي برز الانقليز بصناعاتهم وانطلقوا في غزو الأسواق الخارجية فقدموا إلى سوسة واستأجروا محلا قرب باب الجديد وأودعوا فيه منسوجاتهم الصوفية ليتخذوه فيما بعد مصرفا لتوزيع بضاعتهم التي كانوا يبيعونها بأثمان بخسة. واشتدّت المنافسة بين البضاعة الانقليزية والصناعة المحلية التي كما يذكر الأستاذ محمود زين العابدين لم تقدر على الصمود طويلا فساءت حالتها وتدهورت شيئا فشيئا حتّى اندثرت.