قبل عامين، فوجئ أهالي «الكبوطي» باختيار الدولة لأراضيهم الزراعية لإقامة مصب للنفايات المنزلية على مساحة 67 هكتارا لفائدة الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. ورغم اعتراض المواطنين آنذاك واحتجاجهم على هذا التوجه الذي من شأنه الاستحواذ على الاراضي التي يعيشون مما تنتجه من مزروعات كالحبوب والأعلاف والزياتين منذ عشرات السنين بواسطة عقود كراء قانونية تعود الى سبعينات القرن الماضي، ورغم ما أكده الأهالي للسلطات من انشغالهم العميق بسبب الأضرار البليغة التي سيلحقها هذا المصب بالبيئة والمحيط وجودة الحياة الريفية، وغم كل ذلك فقد تمسكت الحكومة في النظام السابق بإنشاء هذا المشروع. انطلقت الدولة في تنفيذ مشروع المصب رغم أنف السكان، ورغم أنف القانون الذي تم تجاوزه سواء على مستوى الشكل او الجوهر... فعلى المستوى الإجرائي لم يقع احترام القانون الذي ينص على تغيير الصبغة الفلاحية لهذه الارض وفقا لمقتضيات القانون عدد 87 لسنة 1983 المؤرخ في 11 نوفمبر 1983 المتعلق بصيانة الأراضي الفلاحية والتي تحجّر اقامة مشاريع صناعية وخدماتية على الاراضي الفلاحية الا بعد تغيير صلوحيتها وذلك بواسطة «أمر» باقتراح من وزير الفلاحة وبعد أخذ رأي اللجنة الاستشارية الجهوية للأراضي الفلاحية، والغريب في الامر ان والي بن عروس السابق ولمّا طرح مسألة عدم صدور أمر بخصوص تغيير الصبغة الفلاحية لهذه الارض مما يُعدّ تجاوزا للقانون أجاب بالحرف الواحد: نحن صنعنا القانون ونحن الذين بإمكاننا أن نخرقه!! في المكان غير المناسب! الدولة أسرعت في البدء في مشروع المصب رغم عدم استكمال الاجراءات القانونية في سابقة خطيرة يمكن ان تعرّض المخزون الوطني من الاراضي الفلاحية الى الاستنزاف والتلف مع الاستهتار التام بالقوانين المتعلقة بحماية الاراضي الفلاحية والتي جاءت بها ترسانة من النصوص بقيت للأسف في حالة مصب الكبوطي مجرد حبر على ورق بعد ان داس عليها الوالي السابق وجعل القوانين لا تساوي اي شيء على الاطلاق. وبقطع النظر عن القوانين التي تم تجاوزها فقد تم البدء في الاشغال ووقع تجريف الاراضي الفلاحية واقتلاع غابة كانت مخصصة لمقاومة الانجراف، وتم اقتلاع أشجار الزياتين، وتجريف موقع أثري رماني كان موجودا داخل أرض المشروع، والغريب ان ديوان الآثار على علم بالمسألة ولكنه غض الطرف على ما يبدو!! وقفة احتجاجية واعتصام بعد الثورة نظّم أهالي الكبوطي وجميع القرى والتجمعات السكانية المجاورة تظاهرة احتجاجية في موقع المشروع وقد حضرته جموع غفيرة عبرت عن غضبها الشديد من انشاء مصب في محيط ريفي جميل وعلى مقربة من منازل السكان وقد ساندهم في ذلك فعاليات من جميع مناطق معتمدية مرناق اضافة الى الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري ببن عروس وعدة نشطاء في مجال البيئة، وأبدى جميع من حضروا أسفهم الشديد ان تتحول مثل هذه المناطق الى مصب للنفايات في ظل برامج لا تستند الى منطق ولا الى دراسات ولا الى قانون!! وقد التأمت في ولاية بن عروس اجتماعات للغرض شاركت فيها الاطراف المعنية كوزارة الفلاحة والبيئة وأملاك الدولة ومن يمثل الفلاحين وتم بامر من السيد والي بن عروس ايقاف أشغال المشروع الى حين تتفق جميع الاطراف على استئنافه. مصب آخر لديوان التطهير!! وفي خضمّ الاجتماعات التي تمّت فيها مناقشة الجوانب المتعلّقة بمشروع المصب، اتضح من خلال ما قدّمته الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات من طروحات أن وزارة البيئة تنوي اقامة مصب آخر لفائدة ديوان التطهير ويتعلق بتجميع مادّة «الحمأة التي تفرزها محطات التطهير!! هذا المصب الثاني الذي لم يتم الاعلام عنه سيكون على مساحة حوالي 35 هكتار، وإذا اضفناها الى الهكتارات المخصّصة لمصب النفايات (57 هك) فإن مجموع الاراضي الفلاحية التي سيتم قضمها يبلغ 102 هك بالتمام والكمال! وهذا مصب آخر!! المفاجآت لم تقف عند حدّ... فعلى عكس ما تقول الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات من كون مجمل المشروع سيكون مخصّصا فقط للنفايات المنزلية، فقد لفت انتباهي في مدخل المشروع، وفي مكان قصيّ، وجود لافتة أو ركيزة معدنية عليها من الأعلى علم تونس وشعار شركة اجنبية علىما يبدو... وتحته كتابة باللغة الانقليزية نقول «مرحبا... هنا مشروع نموذجي لتجميع ورسكلة وتثمين التجهيزات الكهربائية الالكترونية» وهي بطبيعة الحال مواد تدخل تحت خانة المواد الخطرة التي يتطلب التصرف فيها اجرءات خاصة وشروط قاسية وفقا للتراتيب الجاري بها العمل في هذا المجال وخصوصا القانون عدد 41 لسنة 1996 المؤرخ في 10 جوان 1996 المتعلق بالنفايات والتصرف فيها وازالتها، ولكن يبدو أن هناك اطرافا لا تولي للقوانين أي اهتمام. بقي سؤال أخير وخطير لماذا كتبوا اللافتة باللغة الانقليزية دون سواها بخلاف ما تقتضيه أحكام مجلة التهذيب الترابية والتعمير التي تقتضي من صاحب المشروع ان يشير الى مشروعه باللغة العربية قبل أي لغة أخرى.