لا يزال الإقتصاد التونسي هو الأكثر قدرة علي التنافس مقارنة بدول شمال إفريقيا وذلك على نطاق واسع، وذلك بإحتلالها المركز ال 40 من أصل 142 بلداً حسب تقرير التنافسية العالمي في منتدى الإقتصادي العالمي، حتى أنها تتفوق أيضا على العديد من دول البحر المتوسط مثل إيطاليا وتركيا. ويشير الآداء القوي للإقتصاد التونسي في مجالات عديدة إلى وضعها المتميز الذي حافظ على إستمرارية النمو في المستقبل مقارنة بالأسواق الناشئة الآخرى، حيث أدت القدرة التنافسية إلى وضع تونس في المقدمة قبل البرازيل وجنوب إفريقيا أو الهند. والإقتصاديات التنافسية هي التي تملك العوامل الدافعة لتحسين العملية الإنتاجية والتي تؤدي بدورها إلى الإزدهار الإقتصادي في الحاضر والمستقبل، وتشمل القدرة التنافسية مجموعة من أنظمة تعليمية وبنية تحتية وإدارة فعالة بالإضافة إلي الإستقرار الإقتصادي الكلي وصولاً إلى اعتماد الإبتكار التكنولوجي وذلك ضمن المجالات الأخرى. وتسببت الإحتجاجات الشعبية في بداية العام الجاري إلى حالة من الغموض الإقتصادي والسياسي؛ الأمر الذي أثار بالضرورة بعض المخاوف على المدى القصير حول الإتجاهات المستقبلية لبيئة سوق العمل في البلاد. ونتيجة لذلك، انخفض الإستثمار والإنتاج في قطاعات حيوية مثل السياحة وتباطؤ النشاط الإقتصادي. ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، فإنه من المتوقع إنخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1,3% لعام 2011 من إجمالي 3,7% عام 2010، وسلطت الثورة الأضواء على العديد من التحديات التي تواجهها تونس مثل القضاء على الفساد والمحسوبية وأصبحت نقاط الضعف المؤسسية أكثر وضوحاً بالنسبة إلى قطاع الأعمال والجمهور بوجه عام. وأدى المزيج من عدم الثقة والإعتراف بنقاط الضعف إلى إنخفاض تقييم قدرة تونس التنافسية لهذا العام، والنزول بها 8 مراكز إلى أسفل، وعلى الرغم من ذلك فإنه عند وضع هذه النتيجة في منظور تاريخي مقارنة بضخامة إعادة هيكلة الشكل السياسي الداخلي للدولة، فإن الهبوط ثمانية مراكز يعتبر أمراً مقبولا. وفي الواقع، إلى مدار الخمس سنوات الماضية، فإن ترتيب تونس تراوح بين المركزين 32 و40، وظلت في المركز ال40 للعامين الأخيرين. وعلى هذه الخلفية فإن السؤال المطروح هو كيف يمكن للفترة الإنتقالية الحالية التأثير على القدرة التنافسية لتونس ودفعها للأمام، وبالمقارنة مع البلدان الأخرى التي شهدت عمليات تحول مماثلة فإن ما يحدث الآن يعتبر أمرا مبشرا؛ فإندونيسيا على سبيل المثال التي شهدت عملية إنتقال سياسي في منتصف التسعينيات، وجمهورية التشيك التي واجهت العديد من التحديات بشكل أكثر تعقيداً، فإن كلاهما شهد إنتعاشاً في الأداء والقدرة التنافسية في أعقاب تراجع في الأداء، وكلا البلدين الآن أكثر إنتاجية إقتصادية ويتمتع بمجتمع ديمقراطي عن ذي قبل. ويبدو أن الوضع في تونس سيكون قادرا علي الإنتعاش بشكل سريع وملحوظ، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن يعود إجمالي النمو في الناتج المحلي إلى النسبة التي سجلها في عام 2010 وذلك بحلول 2012، الأمر الذي يدل علي المرونة الكبيرة على مواجهة التغيرات الأخيرة ويعكس قدرة البلاد التنافسية الصلبة. كما توجد العديد من العوامل التي من المرجح أن تحدد مدى تحسن القدرة التنافسية لتونس والوقت اللازم لتحقيق النمو العادل والذي من شأنه توفير فرص عمل مجزية لجميع السكان مثل إنتخابات ناجحة يتم إجراؤها هذا العام والتي من المرجح أن تحقق المزيد من الإستقرار السياسي وبالتالي توفير مناخ ملائم لإقامة العديد من الاستثمارات، بجانب إحلال السلام في ليبيا، والذي سوف يؤدي بدوره إلى تحسين الأمن في تونس ومن ثم تصعد من ترتيبها الحالي في المرتبة 47 إلي مستوى أعلى من المعتاد. ووفقاً لتحليلاتنا، فإن تونس الآن في وضع جيد يؤهلها للحفاظ على مستوى عالٍ من القدرة التنافسية والنمو المترتب على ذلك في المستقبل، كما أنها تأتي مجهزة بعدد من المزايا التنافسية الواضحة. وعلى الرغم من تداعيات الأزمة، فإن البيئة الإقتصادية مستقرة وإنخفاض الدين العام لا يقيد مجالات الاستثمار ومن ثم يعزز القدرة التنافسية اللازمة، ولكن الأهم من ذلك هو المستوى التعليمي المرتفع في تونس، ونسبة التسجيل المرتفعة في برامج التعليم المختلفة والذي يعد من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط، وهذه ميزة خاصة تسمح بتحسين النتائج التعليمية على المدى الطويل. وأكدت القيادة الحالية للبلاد على إلتزامها بمعالجة العوامل الرئيسية التي تعزز القدرة التنافسية، مثل الحد من الفساد في القطاع العام، (تحتل المركز 39 حاليا)، والعمل على إستقلال القضاء، (في المركز 58)، وهذه الجهود سوف تكون مفيدة لتحسين القدرة التنافسية والعمل على جذب الإستثمارات مع مرور الوقت. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي شهدتها البلاد العام الماضي، لاتزال القدرة التنافسية لتونس سليمة، ومع الإصلاحات الحقيقية فإنها ستكون في وضع جيد لتعزيز هذه القدرات وإمكانات النمو في السنوات المقبلة.