إن الأصل في العملية الانتخابية هو الاختيار المبني على الوعي وعلى فهم طبيعة المرشح واتجاهه، ولابد من توعية الناخبين بذلك، حتى تكون الانتخابات وسيلة ناجحة ومؤدية إلى الهدف المنشود وخاصّة إرضاء الأغلبية. ولذلك لا يجوز شراء الأصوات، إذ فيها إهدار لرأي الناخب، وأيضاً تزييف في ذات العملية الانتخابية. إن مثل من يبيع صوته لأحد المترشحين، كمثل من يشهد على إنسان أمام القضاء، فتؤدي شهادته إلى تبرئته وهو مجرم، أو إلى تجريمه وهو بريء، فهذه شهادة زور ... ومن يدلي بصوته لمن يعلم عدم كفاءته، مع وجود الكفء فهذه شهادة زور، لأنها شهادة كذب، ليوصل بها من لا يستحق إلى موضع ومقام مهمّ، ويتحكم به في مصير شعب وبلد، ويتحدث فيه نيابة عن كثيرين، بل إنه يمثل الأمة، ولا يمثل نفسه ولا دائرته فحسب. فإذا كان هذا «الشاهد» أو بالأحرى هذا الناخب قد أخذ مالاً لتوصيل هذا النائب، فإن هذه شهادة زور مركبة، جمعت بين الكذب والبهتان وأكل المال بالباطل. ويجب على من يمارس حقه في الترشيح، أو الانتخاب أن يعرف الأبجديات الخاصة بهذا الأمر، أو ذاك، فالترشح لنيل العضوية يتطلب توافر مجموعة من الشروط لعلّ أهمّها، ألا تكون نية المترشح التنافس على مناصب الدنيا، أو الحصول على مكسب من مكاسبها الزائلة، وألا ينافس من يعلم أنه أكفأ منه وأجدر منه لهذا المنصب، فإذا علم أن أحداً أكفأ منه وأجدر لهذا العمل، فعليه ألا يقدم نفسه عليه بل وجب النصح به للآخرين. كما يجب أن تتوفّر في المترشح، القدرة على القيام بحق هذا العمل وواجباته من الإصلاح والمتابعة وما تقتضيه نيابة العضو عن أبناء شعبه، الذين انتخبوه، وفي المقابل يجب على الناخب، أن يبحث عن الأكفأ للاختيار ممن تتوافر فيه الكفاءة والقدرة على القيام بالعمل، الذي سيوكل له، والعدالة والحكمة، فإذا توافرت هذه الشروط في المترشح لا يجوز اختيار غيره، بحجة مبادلة الأصوات، أو شرائها، أو غير ذلك، كما على الناخب أن يحذر من أن يكون اعتبار الاختيار، لصلة القرابة، أو الصداقة، أو الجوار، أو المصلحة، أو للجماعة التي ينتمي إليها، والأشد من ذلك، أن يكون اختيار المرشح قائماً على أساس الرشوة، سواء كانت مادية، أو لمصالح أخرى، فهي ضدّ أخلاقيات وسلوك المواطنة. ومن ثم ينبغي أن يُسقط عن كلّ نائب منتخب قام بشراء أصوات النّاخبين منصب النيابة، فترفع عنه الحصانة النيابية، ليُقدم إلى المحكمة؛ لأن مصيبة شراء الأصوات مظهر غش حضاري باطل وما بني على باطل فهو باطل...