ها أن النقابة الوطنية للصحافيين قد عقدت العزم على تحديد قائمة سوداء في الاعلاميين الذين تورّطوا زمن النظام السابق. وهاهي تنشر بيانا تعلم فيه انتدابها لجنة من الزملاء الأجلاء أوكلت إليهم مهمّة ضبط هذه الجرائم التي سيقع على أساسها تسويد أسماء وتبييض أسماء. لكن المتأمل في بيان النقابة يرى تقصيرا واضحا لا ندري إن كان مقصودا في ذكر الجرائم الموجبة للتسويد. فلا الصحافيون الواشون في نظري ولا المنتفعون بعطف المخلوع وماله أو بهبات التجمع المنحلّ ولا النقابيون الانقلابيون هم وحدهم المتلبّسون اليوم بجرائم الفساد الاعلامي والذين أحلّ تسويدهم. هناك من الجرائم التي تُقترف في حق إعلامنا ماهو أقدم وأعمق وأعمّ وهناك منها ماهو خبيئ (تحت الطاولة) خبيث خادع مؤسسي. كيف نسمي بربّكم تلك الفيالق من الصحافيين الذين انتحلوا اليوم شخصية الثائرين وانقلبوا على مؤسساتهم يأكلون الغلة ويسبّون الملة وكانو بالأمس موظفيها المثاليين؟ كيف نسمي صحافيين يتقاضون رواتب شهرية من صحف لم يكتبوا فيها يوما سطرا؟ بل كيف نسمي صحافيين يحصلون على رواتب من مؤسسات ليشتغلوا في مؤسسات أخرى منافسة بمقابل؟ وكيف نسمي صحافيا من «ينسخ ويلصق» مقالات الأنترنات ويمضي «عيني عينك» ثم يمضي ينادي متشدقا بأخلاقيات المهنة؟ بل وكيف نسمّي صحافيا لم يفتح كتابا منذ تخرّجه ويكتب في لغة «أكلوني البراغيث» ليعطي دروسا في التقدمية؟ وكيف نسمي صحافيا يعيش على ابتزاز الفنانين الشعبيين أو لاعبي كرة القدم؟ كيف نسمي صحافيين من احترفوا إذاعة الخرافات والشعوذات وقراءة الكف وتخصصوا في علم التجهيل والتفقير الفكري والتسطيح، وليس أدل على ذلك من واقعنا الثقافي المحيط. نصيحتي للجنة الموقّرة أن تتحرّى في التثبت من هُوية الصحافيين الصالحين قبل الفاسدين ولعلّها إن فعلت فستحصل علىما يكفيها لضبط قائمات سوداء... من الكفاءات الصحفية.