على امتداد 24 ولاية و27 دائرة انتخابية ومن أجل 199 مقعدا داخل المجلس التأسيسي (ما عدا مقاعد التونسيين بالخارج) بدت تونس أمس من بنقردان الى طبرقة، وكأنها في مهرجان... مهرجان خطابي... ومهرجان سياسي... ومهرجان حضاري... الحملة الانتخابية باتجاه المجلس التأسيسي، انطلقت أمس... على كامل تراب الجمهورية، بحيث حدد كل حزب وكل كتلة مستقلة، المكان الجغرافي الذي ينطلق منه رسميا كل مترشح، في تأثيث الواحد والعشرين يوما، وهي المدة المخصصة للحملة الانتخابية... برامج ومقترحات، تمازجت أمس وتباعدت، بين هذا الحزب وذاك، وبين هذه القائمة للمستقلين وتلك... فكانت فرصة، تلك التي بدأت أمس، لتونس الثورة، حتى يتطارح أبناؤها بالفكرة... وتتجادل التيارات السياسية حول مضمون الدستور الجديد لتونس... تونس اليوم ورشة متحركة ومفتوحة لكل الآراء والأفكار، ولكن بشرط أن تكون آراء تقدمية، تنهض بتونس وتبوئها مكانتها التي تستحق... هذه التعددية الحزبية، التي تبدو مفرطة الآن، هي المعنية اليوم، ببناء تونسالجديدة... تونس التي تعيد الاعتبار للانسان على أساس أنه مواطن لا رعية... ان التعددية الحزبية والسياسية اليوم في تونس يعد مكسب للديمقراطية انتصار لها لأنها تقع لأول مرة في هذه الحرية تدعو الجميع الى المحافظة على الديمقراطية التي هي ممارسة ودربة. اليوم، تقف تونس المتحركة، التي تخرج كالعنقاء من رماد أخمد جذوتها في التقدم والانعتاق ومواصلة شوط الاستقلال... تقف في مفترق عصيب، لا يحتمل وضعها أي مرتبة سوى التقدم الى الأمام... لكن هذا «الأمام» الذي هو مستقبل البلاد وأحد أهم أهداف الثورة، ليس مسقطا من السماء، بل يقده أبناء تونس، الذين دخلوا أمس سباق الحملة الانتخابية... من هنا، كان لابد من الاشارة الى عدد من النقاط التي استشفيناها من مجمل التحضيرات... وأنماط الخطاب السياسي الذي يدعو الناخبين الى اختيار هذا أو ذاك من الاحزاب والكتل من المستقلين الذين اختاروا الابتعاد عن التلوين الحزبي... النقاط التي يمكن ان تسهم في تأمين الوصول الى يوم الانتخابات نراها كالتالي: أولا: أن يتعامل كل السياسيين سواء منهم الذين يترشحون لانتخابات التأسيسي، ضمن أحزاب أو مستقلين، مع هذا الحدث، من منطلق المسؤولية السياسية والتاريخية، فهذه لعبة ديمقراطية ويجب ان تكون كذلك ولابد وأن تخضع الى نواميس عادلة ومتكافئة بين كل الأطراف، حتى تتوارى مسألة الحيرة التي تتملك الناخب التونسي، جراء كثرة الاحزاب والقائمات.... وأن هذه المحطة التاريخية، يجب ان يؤمنها السياسيون، المنخرطون في العملية السياسية، مهما كان موقعهم، سواء مترشحين أو مراقبين أو اعلاميين... ثانيا: على الاحزاب، مسؤولين أول وكوادر وسطى، أن يتعاملوا مع الحدث، ويمارسوا حقوقهم في مجال الحملة الانتخابية، بأخلاق ومن خلال مدونة سلوك شفوية، حتى يكون احترام الاختلاف أمرا مقدسا والقبول بالآخر خطابا وممارسة، أمرا أساسيا في الفعل السياسي، الذي وفرت له الثورة قوام الحرية... اليوم، تدخل تونس محطة جديدة، هي في الحقيقة امتحان للارادات وللأخلاق السياسية... وهنا، لابد ان يحذر الجميع دسائس وأخبارا واتهامات كاذبة في حق هذا الطرف أو ضد ذاك... فقوى الردة مازالت تتربص بديمقراطية حقيقية يمكن أن تعرفها تونس الثورة... وتونس يوم 23 أكتوبر 2011... ثالثا: الوقوف جماعيا في وجه مظاهر ما كنا نتمنى أن تحدث، مثل التصدي لهذا الحزب أو ذاك، ومنعه من ممارسة حقه في تحقيق الحملة الانتخابية، لاستقطاب الناخبين. رابعا: على كل المنخرطين في هذا المسار السياسي بتونس، أن يعلموا حقيقة هامة، وهي بديهية ولا تحتمل التحقيق أو التثبت، لكننا نوردها ونذكر بها على اعتبار أنها عماد انجاح هذا المسار ونقصد ان تونس هي ملك للجميع وأن التونسيين وحدهم، هم من يمسكون بالغربال... والتونسيون وحدهم من يجب ان يحدد من سيكون تحت قبة المجلس التأسيسي. وهنا تؤمّن «الشروق» كما عهدها دوما، كل فعاليات هذا المشهد السياسي المتحرك... وهذا الحدث المفصلي في تاريخ البلاد، عبر صفحات تغطي فعاليات الحملة الانتخابية في كامل تراب الجمهورية على طول مدى الحملة.