توجه عدد من الشخصيات السياسية والنقابية والأكاديمية بنص البيان التالي: 1- إنّ انتخاب مجلس تأسيسي، مبدئيا لسنّ دستور للجمهورية التونسية الثانية، لهو كلمة حق قد تنقلب إلى باطل. 2- فهو كلمة حق، وستبقى في حدّ ذاتها كلمة حق، جاهرت بها ثلّة من المناضلين دون أن تجد صدى لدى النخب التونسية السياسية والقانونية إلا القليل منها. وهو كلمة حقّ قامت أساسا ضدّ ما آل إليه دستور غرّة جوان 1959 في ظلّ الحكم الفردي والحزب الواحد المهيمن آنذاك وتداخله مع الدولة وأجهزتها. وفي كلمة الحق هناك واجب الذاكرة والمحاسبة وتحديد المسؤولية حتّى لا يقع الالتفاف على التاريخ مرّة أخرى،و حتّى يكون ذلك عبرة للمستقبل. 3- إن فشل الجمهورية الأولى واغتيالها مردّهما انهيار دستور غرّة جوان 1959 الذي استوفى وظيفته التاريخية لأن بنيته الأساسيّة قامت على آلية نظام رئاسي فردي من جهة، وانتهاك متواصل لنصّه ومبادئه التي قوّضت ما تبقّى فيه من أسس ديمقراطية من جهة أخرى. وقد وقع نسف دستور 1959 بقرار اعتباطي أسس لرئاسة الجمهورية مدى الحياة في 19 مارس 1975. وعليه فإنّ فشل النظام الفردي في ضبط ممارسة الحكم بالشرعية وعجز عن تقييدها بمقوّمات النظام الجمهوري ومتطلّبات الصّالح العام وحقوق المواطن الأساسية، فأخفق في بناء دولة القانون والمؤسّسات الديمقراطية والمواطنة وحماية الحقوق والحرّيات. 4- وتواصلا مع التطاول والتّلاعب بالدستور تظاهر الجنرال بن علي بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987 باحترام ذلك الدستور،لكنّه تمادى في تقويضه منذ 25 جويلية 1988 من خلال التنقيحات المتتالية لإضفاء مشروعية دستورية زائفة على نظامه الاستبدادي النّاشئ وقيامه بمغالطة الرّأي العام موظّفا كلّ أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة القانونية وفقهائها وبمساندة فئة من النّخب السياسية. 5- لقد تعالت كلمة الحق خلال الثورة المباركة منادية بضرورة إرجاع السيادة والسلطة التأسيسية المغتصبة إلى صاحبها الأوحد الذي هوالشعب التونسي، مصدر المشروعية والشرعية، ومن ثمّ تجلّت ضرورة انتخاب مجلس تأسيسي باعتباره السبيل الطبيعي الديمقراطي الملائم لكي يستعيد الشعب التونسي كرامته وحقّه في تقرير مصيره. 6- ولكن كلمة الحق هذه قد تنقلب إلى باطل،إذ أن الإستحقاق الإنتخابي سيُجرى في ظروف شديدة التعقيد، وعديد المؤشّرات تدلّ على أن هذا الأمر تكتنفه الشكوك و المخاوف و تواجهه عديد العراقيل والعوائق ،وأهمّها: 7 أوّلا: إنّ الخيار الانتخابي لا يستقيم إلا إذا تمكّن الناخب،في ظل مشهد سياسي تميّز بضبابية وبطفرة حزبية هائلة من الإدلاء بصوته بتبصّر واطمئنان استنادا إلى خيار انتخابي مستنير، نزيه غير مغلوط. ويذهب الغموض إلى حد التساؤل عمّا إذا كانت هذه الانتخابات هي حقّا تأسيسية أم رئاسية اذ أصبحت نقطة الوضوح الوحيدة تُختزل في التصويت لفائدة مرشّحين محتملين للرئاسة وليس لبرامج سياسية وخيارات واضحة المعالم لرهانات الوطن. 8- ثانيا: إنّ الإعلام بوسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة وخصوصا قنوات التلفزة وطنية كانت أو خاصة، لم يقطع مع النظام الفاسد وانحرافاته وتجاوزاته في هذا القطاع الحسّاس، إذ يواصل انفلاته بعد الثورة، ويعمل بدون ضوابط مهنية، مكرّسا أمرا واقعا تميّز بالترويج والدعاية والإشهار السياسي للبعض والتعتيم على البعض الآخر بإقصائه من البرامج الإعلامية والحوارية. ومثل هذه الممارسات تخلّ اخلالا صارخا بمبدإ تكافؤ الحظوظ بين المترشّحين. 9- ثالثا: تدفق المال السياسي على الأحزاب والمنظمات، بكميات طائلة مجهولة المصدر، دون رقابة ومحاسبة،ممّا يساهم في نسف المرحلة الانتقالية والانحراف بها والتأثير سلبا على المشهد السياسي بهدف إهدار مسار الثورة التونسية الرائدة. إنّ هذا المال السياسي أخلّ أساسا بمبدإ تكافؤ الحظوظ بين المترشّحين، وبالتالي جاء مقوّضا للاستحقاق الانتخابي المنتظر، مما يؤكد المخاوف التي تحوم حول العملية الانتخابية التي لن تكون، بالضرورة، «حرّة، نزيهة،شفافة». 10- رابعا: ومن أهم المخاطر والأطماع التي تهدد الثورة وتنعكس سلبا على المسار الانتقالي والاستحقاق الانتخابي، هو تهافت بعض القوى الأجنبية في إطار المعادلة الجيوسياسية والاستراتيجية الجديدة قصد التأثير على مسار الثورة وتداعياتها الإقليمية والدُولية. 11- وفي ظل كل هذه الظروف المتأزّمة،فإنّنا، الموقّعين على هذا البيان، نعرب عن انشغالنا وقلقنا لما نخشى أن تؤول إليه هذه الانتخابات، وأخشى ما نخشاه هو أنّ المجلس التأسيسي الذي سينبثق عن انتخابات 23 أكتوبر2011 قد لا يحظى، بالضرورة،بتمثلية ومشروعية لا لبس فيهما. فلا يمكن الاطمئنان على سلامة هذه الانتخابات لا سيما أنّ رموز نظام الاستبداد و الفساد و أتباعهم من أحزاب تجاهر بامتدادها «للتجمّع المنحلّ»، و هم يتربّصون بالثورة و يتهيّؤون للانقضاض عليها... وتتحمل الحكومات المؤقتة الثلاث وشركاؤُها في المسار الانتقالي، مسؤولية كبرى في إهدار فرصة تاريخية مكّنتها منها الثورة للقطع نهائيا مع منظومة الإستبداد والفساد وبناء الجمهورية الثانية، الجمهورية الديمقراطية الحرة المستقلة، على أن يكون الشعب فيها صاحب السيادة وصانع الحداثة. كما تأكد للرأي العام أنّ «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» افتقدت، منذ تشكيلها،كل طابع ديمقراطي، إذ أنها قامت على الانتقاء والإقصاء لوجوه وكفاءات وطنية،فحرمت البلاد من هذه الكفاءات و القدرات، وسط تعتيم على الحقائق التاريخية في المسألة الدستورية. 12-ومهما يكن من تباين المواقف من هذه الانتخابات، فإنه يقع على عاتق كل القوى الحية الوطنية الشعبية، مسؤولية الدفاع عن مسار الثورة والقطع النهائي والجذري مع نظام الاستبداد والفساد.فإنّنا نهيب بأبناء شعبنا، في هذا المنعرج الخطير الذي تمرّ به ثورة الكرامة والديمقراطية، بالتحلّي باليقظة الدّائمة والاستعداد لتنظيم، منذ الآن، مجالس قاعدية وطنية يشارك في طليعتها شباب الثورة وجميع القوى المدنية والسياسية والشعبية والنقابية، مع الشخصيات الشريفة التي ناضلت في الحقل الوطني والملتزمة بتصحيح هذا المسار، وذلك، بالتوازي مع مداولات المجلس التأسيسي، حول القضايا المصيرية والرهانات الوطنية و منها: القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والاختيار الوطني لمنوال اقتصادي تنموي جديد في إطار رؤية استراتيجية مستقبلية طويلة المدى. إعادة النظر بصفة جذرية في قضايا التنمية الجهوية و منوالها، في إطار مسار تشاركي ديمقراطي على الصعيدين المحلي والجهوي. التعجيل في إصلاح منظومة القضاء و الحسم في ملفّات الفساد والإفساد. إصلاح شامل للمنظومة الأمنية بما يتلاءم مع قيم الجمهورية وحقوق المواطنة. حماية استقلال الوطن في ظل المتغيرات العالمية. بلورة سياسة خارجية تونسية جديدة تنسجم في توجّهاتها مع مبادئ الثورة . إنّ هدفنا الوحيد هو المساهمة في الارتقاء بتونس والانتقال بها إلى متطلبات القرن الحادي والعشرين، وللظفر بمستقبل ينعم فيه أبناء الوطن كافّة بالكرامة والرّخاء والسلم، وبذلك نكون أوفياء لجميع شهداء الوطن وشهداء ثورة الكرامة والحرية والديمقراطية.