بدأ الأسبوع الأوسط للحملة الانتخابية بمؤشرات غير مطمئنة, تكشف عن انقسام التونسيين إلى مجموعتين متنافرتين تستندان إلى فرز ديني وحداثي يغيب عنهما إحكام العقل والتسامح وتسيطر عليهما الرغبة في التشفي والانتقام و الاقتناع بأن من ليس معنا ضدنا بالضرورة.ولعل الأغرب من كل هذا تزايد أعداد الذين يصبون الزيت على النار ولعب دور الوقود المجاني في هذه «المعركة», وحمل بوق التحريض والفتنة بلا روية أو تثبت, وهو ما يوحي بأن بذرة الديكتاتورية باقية في لاشعور عديد التونسيين و أن الثورة لم تغير أي شيء.وتعالت في الفترة الأخيرة أصوات تنادي بمقاطعة الانتخابات, وتعددت محاولات إفساد اجتماعات القائمات المترشحة, وتمزيق المعلقات والتعدي على أصحابها وشعاراتهم وتسميم الأجواء عبر بث الإشاعات و الأخبار الزائفة, وأساسا عبر المواقع الاجتماعية, التي أصبحت تقطر نقمة وعنفا, وتتضمن مواقف و مفردات تقع تحت طائلة القانون وترفضها الأخلاق وكل الديانات.إن هذه الأجواء المسمومة التي يحاول البعض, بقصد أو دونه, خلقها أو إدامتها, قد تعطل تحقيق أهداف الثورة وتعرقل الاستقرار الأمني الذي بدأ يعود, وتنمي مخاوف التونسيين من المستقبل, و تدفع المستثمرين التونسيين والأجانب إلى مراجعة نوايا الاستثمار وخلق مواطن الشغل, في فترة بلغ النمو صفرا أو دونه بقليل.ولا يخفى على أحد أن كثيرا من التونسيين لن يشاركوا في عمليات الاقتراع, وهوما كشفته استطلاعات الرأي, وهو توجه قد يتصاعد خلال الأيام القادمة, إذا تواصلت الفرقة بين التونسيين, ليكسر الثقة في صندوق الاقتراع , ويمس من حجم الشرعية الانتخابية التي سيتحصل عليها المجلس الدستوري المرتقب والحكومة التي سيصعدها.إن هذه الفترة العصيبة التي تعبرها بلادنا اليوم تفرض علينا النأي عن الاستفزاز والسقوط في ردود الفعل المتسرعة غير محسوبة العواقب, والتحلي بالرصانة و التعقل والحكمة والتسامح, فنحن في حاجة إلى أعوان اطفاء وليس إلى النافخين تحت الرماد.نجم الدين العكاري