مهما اختلفت الآراء بخصوص الصفقة التي تتم ابتداء من اليوم بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، فهي تمثّل فعلا مقاوما، لا تنكره حركات التحرّر الوطني عبر التاريخ، في تعاملها مع أعدائها المحتلين لبلدانها.. وفلسطين، حركة التحرّر الوطني التي لها بعد عالمي إنساني وقومي عربي وفلسطيني وطني، لا تشذّ عن هذه القاعدة.. «حماس»، التي هي فصيل وطني مقاوم، ضمن كوكبة الفصائل الفلسطينية المناضلة والمقاومة، تبرم صفقة تبادل للأسرى، تتضمن شاليط، الأسير الاسرائيلي لديها، و1027 أسيرا فلسطينيا لدى معتقلات وسجون الاحتلال الصهيوني. وفي هذا الأمر، مشهد آخر من مشاهد المقاومة الفلسطينية، التي استنبطت وظلت تستنبط الطرق من أجل التحرير.. ومنها الأسر بالأسر.. قد يرى البعض أن الصفقة انتصار للمقاومة في ثوبها الحمساوي الإسلامي، وقد يرى البعض الآخر، أن في هذه الصفقة ومكوّناتها، استقواء من «حماس» على «عبّاس».. في توقيت حاز فيه رئيس السلطة الفلسطينية شعبية لم يكن يحظى بها يوما، قبل اعتلائه منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقديمه بصوت عال وقوي، مطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في المنتظم الأممي.. قد يكون هذا التحليل جائزا أو ذاك، لكن ما يمكن تأكيده بلا مواربة، هو أن عملية تبادل الأسرى، وبالطريقة التي تتم بها ابتداء من هذا اليوم، تنمّ عن فعل نضالي فلسطيني وطني لا يختصّ به هذا الفصيل الفلسطيني دون ذاك.. الأسرى الفلسطينيون هم أبطال، مقاومون، ينتمون إلى فصائل مختلفة، تنادت للنضال ومقاومة الاحتلال الصهيوني منذ جاءت الفلول الأولى لهؤلاء المستعمرين الاستيطانيين.. لذلك فإن الملف برمته، يتخذ طابعا وطنيا نضاليا استثنائيا.. لأن الحرب الدائرة في فلسطين، هي حرب وجود، وليست حرب حدود.. أو هي شأن إسرائيلي داخلي، كما تريد «تل أبيب» أن تصوّر قضية التحرّر الوطني الفلسطيني.. ففي سجون إسرائيل ومعتقلاتها، مناضلون، عاهدوا الوطن على النضال والفداء، ونحن نعي ذلك، والعالم يعرف مثل هذه الحقيقة، بمجرّد أن نتطلّع ويتطلّع الجميع، إلى شاشات التلفزيون، فنشهد جميعنا، صور المناضلين أحمد سعدات ومروان البرغوثي، القياديين تباعا في الجبهة الشعبية وفتح.. الكيان الصهيوني ليس احتلالا عاديا، حتى يمكن القول إن لغة الحوار يمكن أن تنفع معه، بل هو استعمار استيطاني، بغيض، لا ينفع معه إلا مبدأ العين بالعين.. متى استطاع المناضلون والمقاومون إليه سبيلا.