لم تبق سوى أيام قليلة في عمر الحملة الانتخابية ... وكلما اقترب المتنافسون من اليوم الموعود إلا وحميت المعركة واشتد التسابق والسعي إلى إرضاء «السيد الناخب» الذي يبقى له وحده الحكم والاختيار والفرز بين الغث والسمين. وعادة ما تتسم الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية بحدة التنافس التي تصل حد الاستفزاز وكيد البعض للبعض وتبادل الاتهامات وتصعيد اللهجة من هذا المرشح أو ذاك... ولكن الأهم من كل ذلك أنه مع اقتراب موعد 23 أكتوبر تكثفت تساؤلات الناس عن كيفية الانتخاب وإجراءات التصويت ومختلف مراحل العملية الانتخابية. ولئن كانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد قامت بدور كبير في هذا الباب من خلال إطلاق حملة «تونس تنتخب» ومن خلال الومضات المتكررة عبر مختلف وسائل الإعلام بهدف تبسيط المسألة وتيسير المهمة التي تنتظر كل مواطن فإن استمرار هذه التساؤلات يكشف عن ضعف في أداء المترشحين الذين اكتسحوا الميدان منذ اليوم الأول للحملة وتوفرت لهم دون غيرهم فرصة الالتقاء مباشرة بالمواطنين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم والالتحام بالجماهير وما يعنيه ذلك من فرص لتبديد الغموض وتيسير العسير والمساهمة بحق في إنجاح الانتخابات عبر توعية الناخبين وعدم الاقتصار فقط على استمالة مشاعرهم أو حتى استبلاههم برفع شعارات لا تقبل التحقق في الواقع. وهذه التساؤلات تؤكد أيضا أن المسار الديمقراطي أصعب مما يتصوره الكثيرون، فهو فضلا عن الدربة المطلوبة لممارسة الحق الانتخابي لأول مرة دون خوف ودون تردد بل بيقين بأهمية صوت كل ناخب يتطلب جهدا مضاعفا من مختلف الأطراف وتجند المترشحين والمراقبين والمحللين للإسهام في إنجاح هذا العرس ... ورغم أهمية الجهد المبذول من عدة أطراف في هذا الاتجاه فإن الحلقة المفقودة تتمثل بالأساس في التواصل بين الطرفين الأهم في العملية الانتخابية وهما المترشحون والناخبون. ولعل ذلك يكشف الانتهازية المفرط فيها لدى الطرف الأول وربما السلبية لدى الطرف الثاني ولكن المسؤولية الأولى تبقى بالأساس على عاتق أولئك الراكضين في ميدان السباق نحو «التأسيسي» وهم لا يلوون على شيء وكأن تلك المقاعد التي يتدافعون للظفر بها هي غاية ما في هذا الاستحقاق مع أنها في حقيقة الامر تمثل وسيلة لضمان إنجاح المرحلة المقبلة التي هي أشد حساسية وهي المرحلة التأسيسية ... فإن كان المترشحون جاهلين لهذه الحقيقة فهذا أمر خطير وإن كانوا يعلمون ولا يعملون بما يعلمون فالأمر أشد خطورة والمسعى بات للخيبة أقرب، وهذا ما لا يقبله وطني شريف.