قد تضطر الظروف الازواج الى الإقامة مع الأهل في بيت العائلة الكبير، إما لأن الابن لا يستطيع، بسبب الظرف المادي الصعب ان يؤثث بيت زوجية مستقلاّ، وإما لأن عائلته وبالاحرى ابويه يريدانه ان يظل معهما ليؤنسهما ويملأ حياتهما رفقة ابنائه. في البداية، قد يكون هناك ودّ وتفاهم ووفاق واتفاق، لكن لا يلبث هذا التفاهم ان ينقلب الى سوء تفاهم ومشاحنات وخلافات يومية وحروب طاحنة، بين افراد العائلة وتحديدا بين الزوجة وأهل زوجها. فهل يشكّل خيارا الإقامة مع الزوج حلاّ مناسبا، حتى وان كان مؤقتا؟ وما طبيعة الخلافات والمشكلات الناجمة عن هذا العيش المشترك، وما يترتب عليه من تدخلات وتداخلات وانتهاك أكيد للخصوصية؟ هذه الاسئلة مجملة يمكن ان نحوصلها في التساؤل التالي هل ان العيش مع اهل الزوج نقمة أم نعمة؟ تزوجت كوثر من شاب ميسور الحال وأخ لثلاث اخوات، يعمل في مجال التجارة مع والده يساعده في مهام أخرى كثيرة، لذلك كان الارتباط وثيقا بينه وبين والده ماديا ومعنويا وبمقتضى هذه العلاقة الوطيدة بين زوج كوثر ووالده كان الخيار الوحيد والممكن في هذه الحالة هو مواصلة اقامة الابن مع ابيه. وتقول كوثر: لم اناقش زوجي قبل الزواج بشأن موضوع السكن مع العائلة بل بدا لي الأمر اكثر من عادي لأنني ادرك ان «عمي» لا يستغني عن ابنه الاكبر والوحيد الذي هو بمثابة ذراعه اليمنى في العمل لكن بمرور الشهور والسنوات بدأت اشعر بتهميش عائلة زوجي لي وبهيمنتهم الكاملة على زوجي خصوصا والده الذي يدير كل الامور بنفسه، حتى تلك التي تتعلق بحياتنا «الزوجية» والشخصية. وتضيف كوثر لقد حاولت ان اقنع زوجي بضرورة الاستقلال لكن محاولاتي باءت بالفشل فلم اجد بدّا من مغادرة بيت عائلة زوجي مخلّفة ورائي ابنائي لألتحق بأهلي لكن كوثر مازالت تتألم بسبب ابتعاد ابنائها عنها. نقمة هي! العيش مع عائلة الزوج في نظر السيدة «روضة» نقمة وجحيم لا يطاق هذا الرأي لم يأت من فراغ بل انطلاقا من تجربة مرة وقاسية مرت بها هذه السيدة. روضة ربة منزل، ساقها القدر الى العيش مع اهل زوجها في بيتهم بعد ان حالت الظروف المادية لزوجها من شراء منزل او حتى كراؤه زوجها له اختان لم يتزوجا بعد كانا يشعران حيالها بالغيرة فغالبا ما يعمدان اختلاق المشاكل واسقاطها في بؤرة غضب زوجها بعد ان يكونا قد حاكا ضدها المكائد بأنواعها. ضحى حاولت مرات عدة تهدئه الوضع وخلق جوّ من التفاهم مع اختي زوجها الا ان ذلك لم يفرز اية نتيجة ايجابية كان زوجها غالبا ما يقف الى جانب اخواته لينهي الامر بالطلاق والخروج من دار اهل الزوج من غير رجعة. وتضيف روضة ان زوجها طلب منها العودة اليه لكنها اشترطت عليه ايجار مسكن خاص بهما ليتم ذلك وهي مازلت تنتظر هذه الخطوة من زوجها حتى يتم لم شمل العائلة من جديد. شهادة السيدة فاطمة تحمل الكثير من الحزن والحسرة على مصيرها صحبة ابنائها بعد ان تركها زوجها حسب اعتقاده في مكان امين وهو بيت اهله. زوج فاطمة سافر الى احد البلدان العربية لتحسين مستواه المادي. انتقلت فاطمة الى بيت اهل زوجها حيث استقبلها الجميع بالحفاوة والترحاب لكن سرعان ما انقلب هذا الودّ الى مشاحنات يومية تكاد لا تنتهي بسبب تدخل والديه في كل كبيرة وصغيرة تخصني وتخصّ ابنائي. الى جانب الشجار المستمر بين اطفالي وأطفال اشقاء زوجي وتصاعدت الامور الى ان وصلت الى شتمها واحيانا ضربها من قبل حماتها واخت زوجها ثم بعد ذلك طردها من المنزل لتعود الى بيت أهلها. فاطمة لم تخبر زوجها لأن مدة بعثته قاربت على الانتهاء الا انها توجّه نصيحة الى بنات جنسها ان يسعين دائما الى الاستقلال بمنزل خاص بهن حتى لا تخسرن عائلات ازواجهن. واقع إيجابي ليس بالضرورة ان يكون السكن مع اهل الزوج واقعا سلبيا محفوفا بالمشاكل ومملوءا بالمفاجآت غير السارة. بل انه يمكن ان يكون نعمة لا يعرف مداها الا من حرم منها خاصة في وقتنا الحالي التي تكثر فيه مشاغل المرأة ويقل وقتها المخصص للاهتمام بأبائها فتكون حماتها حامية لهم. هذا الكلام اكدته لنا السيدة «ياسمينة» التي ترى ان اهل زوجها بمثابة اهلها وأكثر وان حماتها أحنّ عليها من أمّها في اغلب الاحيان، فهي لا تدخر جهدا في مساعدتها ورعاية ابناء ابنها بكل حب. آية ايضا تعيش في استقرار ووفاق مع عائلة زوجها بعد ان اضطرتها الظروف المادية لذلك. وقد وجدت لديهم كل الحب والتفاهم والرعاية وقد دامت عشرتهم اكثر من خمس سنوات في كنف الاحترام المتبادل الى ان تمكّنت صحبة زوجها من شراء مسكن مستقل. الاستقلالية... مطلوبة لا يمكن التغاضي عن رأي الرجال في هذا الموضوع، بوصفهم هم الذين يتخذون قرار السكن مع زوجاتهم في بيت العائلة سواء اكان هذا القرار نابعا من قناعاتهم الداخلية لاعتبارات اجتماعية ام مدفوعين اليه. ضمن هذا الاطار لا يعتقد حاتم اية ضرورة للسكن مع أهل الزوج خاصة في الشهور الاولى للزواج او حتى خلال السنوات التي تسبق انجاب الاطفال لان الزوجين يكونان في امس الحاجة الى الاستقلالية والانفراد. أما اذا ما انجبا ولم تكن ظروفهما المادية تسمح لهما بالسكن عن طريق الايجار فإن السكن مع اهل الزوج يصبح حتميا. السيد منير رغم ان دخله متواضع الا انه فضّل ايجار منزل بعيدا عن اهله رغم ان منزل العائلة كبير ويتسع للجميع لكن الرغبة في الحرية والمحافظة على العلاقة الجيدة التي تربط عائلته بزوجته جعلته يكون اكثر حرصا على المحافظة عليها وعدم الدخول في دوّامة من الخلافات ان سكن مع أهله. الازهر الشامخ يقر ان العيش مع اهله رفقة زوجته وابنائه نعمة لا يمكن ان ينكرها لاسيما ان والدته انسانة طيبة وحنونة وزوجته متفهمة مما جعل حياته مستقرة ولا تشوبها اية خلافات . ويضيف السيد الازهر ان ظروفه المادية لا تسمح له بالعيش بمفرده كما ان منزل العائلة كبير مما شجعه على الاقامة الدائمة مع أهله. * ناجية المالكي