كيف يفسر علم النفس ظاهرة انتشار الحجاب خلال الفترة الاخيرة؟ فالمختصون يرجعون ذلك الى سببين رئيسيين، هروب الانسان الى الدين في حالات الشدّة واختلال في السلوك في التغيرات الفجئية. عن هذا السؤال أجاب الدكتور كمال عبد الحق أخصائي في التحليل والمعالجة النفسانية والسلوكية للكهل والزوجين والطفل. ان الانسان تقوى علاقته بربه خلال الشدّة وبالتالي فإنه خلال الأزمات تتوطد علاقة الانسان بربه، ذلك أنه يحاول التأقلم مع نفسه ومع محيطه وكثيرا ما تتغير ردود فعله كما تتغير مقاييسه. لكن اذا تغيرت هذه المعايير فجأة أو صدفة، فإن ذلك يعود الى اختلال في السلوك وفي منطق ردود الفعل وشبه هذه الحالة بمن يتعثر فيمسك بأول شيء يعترضه وفي هذه الحالة سيلتجئ الى الحلول التي يعرفها أو السهلة وهنا تبرز حالات ردود فعل منها اللباس وهي ظاهرة موجودة في كل المجتمعات (تغيير الألوان أو وضع «التاتو» على الوجه...) أو لباس حجاب أو أشياء أخرى. كذلك، فالملابس تعطي شعورا بالانتماء الى فئة ما أو مذهب أو «فريق» وفي الغالب يبحث الانسان عن الانتماء الى الصنف أو الفئة التي تبهر أو الى الحزب المنتصر في الانتخابات مثلا. وفي تونس انقلب الوضع وتغير كل شيء والدين في المطلق يساعد الانسان على قبول الوحدة عند الموت، لكن المشكل أن البعض يكتفي بفهم منغلق وسطحي للدين لا يتجاوز المظهر، بلد التعمّق في نبله، فالدين مرتبط بالعلم والفن والثقافة وليس في معزل عن كل ذلك... والمزعج أنّ البعض في تونس يعتبر أنه سفير للدين الاسلامي، في حين أن معرفته بالدين سطحية. ويضيف «القراصنة الذين نراهم يدافعون عن الدين هم عبارة عن طبيب يحدثك عن علم الفلك». وفسّر هذه المظاهر المتطرفة والعنيفة عند الشباب عند الحديث عن الدين بأنها محاولة استعمال الواعز الديني كسلاح للثورة على كل أنواع السلطة. والبعض يبحث عن موقع له في السلطة أو المجتمع باسم الدين «تضخم الأنا»، ويجعله حسب الدكتور على غرار المرزوقي والشابي وبن جعفر والجبالي. وأضاف الدكتور عموما وضع الحجاب عند بعض النساء يجعلها تشعر بالانتماء الى محيطها ويسمح بمقاومة العوامل الباطنية للنفي. يصطاد لربّي وحول المشهد السياسي، يذكر الدكتور أن البعض يلبي رغبته للوصول الى السلطة عن طريق الدين وينطبق عليهم المقولة «ما فماش قطوس يصطاد لربّي»، هناك من الناس من هو مقتنع بالدين ويلبس الحجاب أو أي مظهر آخر عن اقتناع وهناك من يلبس هذا الزي الذي لا يتلاءم ونفسه المريضة الطامعة في السلطة. وأضاف أن العديد من الساسة الذين نراهم حاليا يتكالبون على الكراسي سجنوا لسنوات وهم غير قادرين على تسيير شؤونهم، فكيف ننتظر منهم أن يسيّروا بلدا كاملا. كان عليهم تكوين الشباب والانسحاب من هذه المناصب... ولاحظ أن ما نشاهده يوميا في «التأسيسي» يصلح لأن يكون أمثلة ندّرس من خلالها الحالات في الجامعات وهو ما انطلقت فعلا في تطبيقه. وطالب بأن يعرض كل مترشح لمنصب سياسي نفسه على فحص طبي ونفسي للتأكد من قدرته على تولي مهامه. وبالعودة الى الحجاب ذكر الدكتور، كثرة ارتداء الحجاب بعد الثورة ثم النقاب وربما سنرى مظاهر أكثر حدّة، لكن هناك من له فعلا شعور عميق بدينه وهناك من له ردّ فعل مرضي. فالدين ليس مظهرا ولا سلوكا آليا (وضع اليد هكذا عند الصلاة...)، بل هو العمق في التفكير وطلب العلم وليس السطحية. الطمع من المسائل غير المطمئنة في انتشار الحجاب والمظهر الذي يوحي بالتقوى (طول اللحية...) حسب الدكتور هو «الطمع» والاستغلال «عاش الملك مات الملك» و«قلبان الفيستة»، من يطمع في رحمة ربه، فإننا نحترمه أما الطامع في مصالح شخصية ومناصب فهم ذاتهم من كانوا يتكالبون على رضى النظام السابق وهم غير أهل للاحترام، بل عليهم التداوي من هذه الأوهام. وهكذا يخلص الدكتور الى أن المظهر يعكس نفسيات عديدة منها التقوى والتقرّب الى اللّه الذي قد ينعكس على مظهر المحجبة المقتنعة بحجابها، لكن هناك حالات اخرى مرضية منها الطمع والتشبه بالمنتصر والبحث عن الاندماج مع المحيط بفضل الشعور بالانتماء الى فئات من المجتمع (الحي، الفريق، العائلة). ولم يخف أن بعض الناس لا يتعمقون في الدين، لذلك نرى لديهم بعض السلوك الذي يميل الى العنف خاصة في سن المراهقة التي لا تيكون فيها مقاومة الرغبات الجنسية هيّنة كما أن المراهق يميل بطبعه الى فرض ذاته بضرب كل سلطة تواجهه.