جميل بن بلقاسم شاب جاوز السادسة والثلاثين من عمره قست عليه الدنيا وأدارت له ظهرها وتتالت عليه نوائبها لتجعله طريدا بلا مأوى يتخذ من مدارج احدى عمارات وسط المدينة مستقرا وملاذا يقيه برد الشتاء وقره. كنا صحبة عمر الربعي أحد الناشطين الاجتماعيين بالجهة عندما وصلنا احدى العمارات القريبة من الاتحاد الجهوي للشغل وغير بعيدة عن محكمة الاستئناف بقابس لنجد اسفل الدرجات المؤدية الى شققها كومة من الاغطية ظننتها من مخلفات احد المتساكنين زادت عن حاجته فالقاها اسفل الدرجات ليتخلص منها ولكن مرافقنا نادى جميلا باسمه فبرز من تحت الغطاء وجه اصفر شاحب حملق فينا بعينين تائهتين قبل ان ينطلق في سرد قصته وسبب اضطراره للمقام اسفل مدارج عمارة. «سرير» جميل لم يكن سوى الحجارة المستعملة في حواشي الطرقات رصفها جنبا الى جنب لترفعه قليلا عن مستوى الارض وتبعده عن مجرى مياه الامطار بعد ان كادت تتلف كل «متاعه» ويؤكد ان الامطار الاخيرة مرت عليه وهو اسفل مدارج العمارة يتكوم على نفسه بكامل ملابسه لتزيد حرارة جسمه من مقاومة برد الشتاء من حوله. انطلقت مأساته ومعاناته منذ ولادته بعد ان انفصل والداه وهولا يزال ابن بضع اشهر ليتخلى والده عنه متزوجا بامرأة اخرى ويبقى هو في كفالة امه التي تزوجت بدورها وانجبت له من الاخوة ستة ضاق بهم المنزل واصبح يحس نفسه منذ صغره عالة عليهم وغريبا عنهم الشيء الذي أدخله في دوامة من التأزم النفسي وفقدان الثقة في كل من حوله فانقطع عن الدراسة ولم يتجاوز مستوى السنة السادسة ابتدائي وتعمق احساسه بانعدام الامل مع رفض والده استقباله ليعيش مع اخوته الخمسة فسدت في وجهه السبل ولم يجد من حل سوى الهرب من هذا وذاك ليدخل عالم التشرد من بابه الواسع ويتخذ من مقامه الجديد ملاذا له منذ شهر «الرحمة» الماضي. حاول جهده ان يجد لنفسه مورد رزق يقيه غوائل الدهر فعمل لفترة في الفلاحة وفي بعض المصانع والمعامل بالجهة ليجد نفسه في كل مرة خارج الحسابات لعدة اعتبارات لعل أهمها انعدام سند يحميه ويدافع عنه وبقي منذ عدة أشهر بلا عمل بعيدا عن منزل والديه لا ملاذ له الا مدارج العمارة واغطية صوفية وبعض مأكولات يتبرع بها الجيران كل حسب مقدرته. جميل يؤكد ان كل ما يتمناه في هذه الدنيا هوان يعيش وضعا طبيعيا كغيره من بني جلدته وان تعود له بعض من آدميته وان يتمتع بحقه في العمل لتوفير لقمة عيش ومسكن يقيه برد الشتاء وامطاره. بقي ان نشير الى ان الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية بقابس قامت بمجهودات لتوفير ما يمكنها توفيره واعداد ملفه من اجل إحالته إما الى مركز المعوقين ذهنيا من فاقدي السند بسيدي ثابت أو الى مركز الاحاطة والتوجيه الاجتماعي بسوسة.