تماما كما نشرت «الشروق» الخبر غداة انتخابات 23 أكتوبر الماضي، فإن رئيس الجمهورية السيد المنصف المرزوقي سيزور ليبيا (اليوم) كأول محطة له في سلسلة زيارات الدولة التي يؤديها الى خارج البلاد بوصفه رئيسا للجمهورية. والحقيقة تأتي هذه الزيارة، ضمن مناخ فيه الكثير من المدّ والجزر، عرفتها الحدود التونسية الليبية، آخرها العملية التي وقعت منذ يومين، والتي أقدم وفقها ليبيون مسلّحون على اختطاف دورية أمنية تونسية داخل ترابنا الوطني.. ولئن مرّت الحادثة بسلام، انطلاقا من الوعي الحاصل لدى مواطني البلدين الشقيقين، من أنه من الضروري منع أي إسفين يُدقّ ضمن علاقات الشعبين، فإن اليقظة، وإعطاء مزيد العناية للمناطق الحدودية يعدّ من أولويات الطرفين التونسي والليبي في هذه الفترة. ما يربط تونس بليبيا وما يربطهما بالجزائر والمغرب ومصر، ليست تلك الحدود التي زرعها كل من سايكس وبيكو، وتحاول القوى الدولية المتنفّذة في العالم، المحافظة عليها بل ومزيد تجزئتها، بل هي أواصر حضارية لا تفنى ولا تتأثر بالمشاكل الظرفية.. الرئيس المرزوقي يزور ليبيا كأول محطة له خارج البلاد، وفي ذلك أكثر من دلالة، لعلّ أهمها أن تونس وليبيا، ليستا في عداد الجيران فحسب، بل أهل يجمع بين شعبيهما دم المصاهرة والعائلة الواحدة. ما كان ينقص الشعبين، هو ذاك الغطاء القانوني الشفّاف، في مجال التعاون التجاري والاستثماري، إضافة الى غياب استقلال القرار السياسي، حتى يكون الاختيار حرّا بيد التونسيين والليبيين، في مجال التعاون الثنائي وفي شتّى المجالات.. ثورتان في تونس وليبيا، لا بدّ وأن تكونا منطلقا نحو حكم الشعب، وليس مصادرة قرار الشعب تحت تعلّة قصور الشعب أو عدم بلوغه مرحلة الرّشد. هذا كلام عانى منه التونسيون والليبيون زمن الاستعمار وزمن الرجعية وزمن القوى التي ركبت صهوة الحكم والسلطة، باسم الاصلاح.. لقد كان الأمر ادّعاء باطلا في حقّ الشعبين اللذين قاوما الاستعمار المباشر وضرب ثوارهما الأوائل مصالح الاستعمار في مقتل.. اليوم يؤدي الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي زيارة الى ليبيا وكلّها رمزية، ترنو في ما ترنو إلى جعل الحدود جسورا.. لا مناطق عبور فحسب، وهذا مطلب شعبي ما فتئ المواطنون العرب، يطالبون بحدوثه منذ زمن، والذي يأبى مثل هذا الواقع، الذي فيه الحدود جسورا، لا يمكن إلا أن يجد نفسه مصطفّا الى جانب قوى الاستعمار والهيمنة، والتي لا تزال تتصرّف مع العرب بمنطق «فرّق تسد».