وقفنا أمام منزل شبيه بالكوخ في أحد أرياف القلعة الخصبة، واستعددنا لانزال ما تيسر من المساعدات لكن أصحابه رفضوا الخروج لتسلم ما كتب لهم... كنا مندهشين أمام هذا الأمر خاصة أن هولاء الفقراء المتعففين تمسكوا باستضافتنا على الغداء... «الشروق» صاحبت القافلة التي انطلقت من أمام مقر جمعية رحمة وسط مدينة نابل حوالي السادسة والنصف صباحا نحو ولاية سليانة وقد ضمت 13 شاحنة من بينها شاحنة تابعة للجيش الوطني وحافلة كبيرة ضمت ممثلي الجمعيات للاشراف على عملية توزيع المساعدات مع بعض السيارات الخاصة. كانت المحطة الأولى مدينة سليانة حيث أنزلت القافلة الكمية المحددة من المساعدات لتلك الجهة ورغم غياب التنسيق بين السلط المسؤولة في المدينة الا أنها تمكنت بعد عناء من تسليم الاعانات الى مستحقيها وانزالها في منطقة تسمى «الفلاحين». جاد الفقير بما عنده... اتجهنا بعدها الى القلعة الخصبة وفي الطريق توقفت القافلة لأخذ قسط من الراحة والاستمتاع بالثلوج والتقاط بعض الصور وقد عاينا بأم أعيننا مدى الفقر والخصاصة التي تعيشها تلك الارياف وتمكنا من دخول بعض المنازل المعزولة أو قل بعض الأكواخ، لا تستغرب، فهنا يعيش الكثير من ابناء تونس في أكواخ ينتظرون زائرا، للتوضيح هم لا ينتظرون من «يرمي» إليهم بفتات خبز يسد رمقهم بل من يأتي ليبعث فيهم الدفء... تلك حكاية للتعفف. دهشنا عندما أخبرتنا عائلة تمكنا من زيارتها بالصدفة انها لم تتلق أي مساعدات بل الاغرب من ذلك كله ان أفراد هاته العائلة رفضوا الخروج من منزلهم لتسلم ما كتب لهم من الاعانات واصروا على ان يستضيفونا على الغداء... هذه حكاية أخرى للكرم فرغم الخصاصة يجود هنا الفقير بما لديه. كان المشهد بالفعل مؤثرا الى درجة ان العجوز التي رافقتنا الى القافلة بعد الحاح شديد جلست فوق الثلج وبقيت تذرف دموع الفرح والمرارة.قطاع طرق اتصل بنا سائق شاحنة كان تخلف عن القافلة ليخبر المسؤولين بأنه تعرض الى «القرصنة» وان قطاع طرق لم يسمحوا له بمواصلة طريقه الا بعدما ترك لهم كمية لا بأس بها من المساعدات التي كانت بحوزته. لم نتمكن من الوصول الى القلعة الخصبة رفقة المسؤولة التي رافقت القافلة كي توصلنا الى المدارس المزمع مدها بالاعانات الا ان الجمعية أرسلت معها ثلاث شاحنات للايفاء بوعودها للعائلات التي وقع استدعاؤها الى تلك المدارس لتسلم الاعانات. توجهت القافلة بعدها الى تالة وكان الوقت يقارب السادسة والنصف مساء، بدأ الظلام يخيم على المكان وما كادت اقدامنا تطؤ المنطقة حتى التف بنا جمع من السكان وانهالوا علينا شتما ورفضوا استلام المساعدات بتعلة انها من «الفريب» وليس لها أي قيمة في حين بقيت مجموعة اخرى تسترق النظر الينا مترددة بين رفض الاعانات وقبولها. بين هذا وذاك وأخذ ورد لم نتمكن من انزال الا ما يناهز نصف شاحنة، وفعلا فقد عادت القافلة ادراجها. وصلت القافلة الى مدينة نابل محملة بما يقارب ثلث المساعدات وكانت الخيبة بادية على وجوه الجميع علما وان الادوية التي تقدر قيمتها بحوالي 2000 دينار وجزءا من المواد الغذائية لم يقع توزيعها في المناطق المنكوبة رغم بعض المحاولات الأخيرة لانزالها في القصرين.