سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«موزاييك»... كوميديا تكشف سوء الحال : أمام جمهور محترم العدد قدمت فرقة مدينة تونس للتمثيل عرضا جديدا لآخر انتاجاتها مسرحية «فسيفساء» أو «موزاييك» كما أراده أصحاب العمل وذلك مساء الخميس الماضي بالمسرح البلدي.
«موزاييك» من تأليف وإخراج زهير الرايس الذي يشارك بالتمثيل أيضا الى جانب منى نورالدين وكوثر الباردي ومنال عبد القوي وحبيبة السوسي وإكرام عزوز. المسرحية من نوع الكوميدي أو «الفودفيل» وهي نوعية افتقدناها لسنوات لكن يبدو أنها بدأت تعود هذه الأيام.
كوميديا
لكن هذا لا يمنع من القول أن الكوميديا في «موزاييك» هي كوميديا سوداء، تطرح قضايا راهنة بأسلوب ساخر،لكنها سخرية مرة تلفها الوجيعة والمرارة. يتجلى هذا المنحى من خلال تركيبة الشخصيات ف«رابع» (زهير الرايس) خريج جامعة ومتحصل على شهادة عليا لكنه يعمل «منظف» بمحطة قطارات وعجوز (حبيبة السوسي)، تجاوزت سن الثمانين لكنها تنتظر عرض شغل لم يأت بعد، وأيضا «ليليا» شهرت نيكوتين (منال عبد القوي) فتاة ليل اضطرت الى المتاجرة بجسدها لتكسب قوت أبنائها بعد أن تخلى عنها زوجها، فيلتقفها صاحب شركة دعارة (إكرام عزوز). أما الشخصية الفنية فتجسدها منى نورالدين وهي فنانة تشكيلية مضطهدة ولم تأخذ فرصتها في إبراز مواهبها، الشخصية الاخيرة فتجسدها كوثر الباردي وهي سيدة برجوازية لا علاقة لها بالمجتمع الذي تعيش فيه ولا بهمومه ومشاغله.
شخصيات
هذه الشخصيات التي تمثل نماذج من المجتمع التونسي، لخصت لنا من خلال علاقاتها وحواراتها ما يحدث في المجتمع.
زهير الرايس، الكاتب والمخرج جمع كل هذه الشخصيات في محطة القطارات وهو اختيار جيد، أولا لأن هذا الفضاء يجمع عادة مختلف شرائح المجتمع، هذا المستوى الأول. أما على المستوى الثاني فإن المحطة يمكن أن تكون محطة رمزية فنحن اليوم في كمجتمع في محطة جديدة من تاريخنا، فإما أن ينطلق قطار الحياة بكل مكوّناتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وإما أن تتوقف المسيرة لا قدر اللّه وتكون العاقبة التي لا نريدها لتونس. كل المسألة مرتبطة بتوضيح العلاقة بين جميع الأطراف الشخصيات في المسرحية، الكل يغني على ليلاه، والكل يفكر في مصلحته الشخصية، وتحكمه الحسابات الضيقة دون التفكير في الشأن العام، في مصلحة الشعب وبالتالي البلاد.
طرح
هذا الطرح يبرز في «موزاييك» في اطار ساخر لكن دون مباشرتية ولا سطحية، نضحك ولكننا نتألم في الآن ذاته. لم يعتمد زهير الرايس على ديكور ضخم بل اقتصر على مجموعة كراسي نجدها في كل المحطات الى جانب بعض المتممات الركحية، لكن مقابل ذلك ركز بشكل كبير على الانارة في تفاعل تام مع طبيعة الموقف والمشهد، وقد نجح في ذلك بشكل كبير. نجاح زهير الرايس في الكتابة والاخراج، لا يحجب أيضا نجاحه في أداء شخصية المنظف، كما أبهرنا أيضا أداء بقية الممثلين والممثلات على غرار السيدة منى نورالدين ومنال عبد القوي وكوثر الباردي وحبيبة السوسي وإكرام عزوز الذي قدم أحد أفضل أدواره الى حدّ الآن. «موزاييك» عمل مسرحي من أفضل ما شاهدنا هذا الموسم، عمل يقطع مع الاسفاف الذي ميز الكثير من الأعمال الكوميدية وهي خطوة حول إعادة الروح لمسرح «الفودفيل» في تونس.