لم يكن صلى الله عليه وسلم يظهر تفضيل إحدى زوجاته على الأخرى في المعاملة بحيث يعطيها أكثر من مثيلاتها وإذا كان لا بد من تقديم إحداهن على الأخرى فإنّه لم يكن ينتقي بالتشهي بل إنّه كان يقرع بينهنّ.
قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج معها. مع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد اتخذ خادما وهو أنس بن مالك على أنّه كان عليه الصلاة والسلام يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.
وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يترك أصحابه معاتبة وتوجيها على أنّه عند المعاتبة كان يستخدم ألطف العبرات في المعاتبة. معتدلا حتى في مشيته صلى الله عليه وسلم حيث أنّه كان يمشي مشيا يعرف فيه أنّه ليس بعاجزٍ ولا كسلان. ولم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يمشي مختالا فخورا وهو الذي أنزل عليه قوله تعالى {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} (الإسراء 37) لم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يضحك ضحكا يصل على حد إسقاط الهيبة بل كان يتبسم ويضحك حتى تبدو نواجذه. قال جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يضحك إلا تبسما.
وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يمازح ويلاعب ولكن لا يتعدى به ذلك إلى قول غير الحق فمن ممازحاته صلى الله عليه وسلم قوله لأنس يا ذا الأذنين. ومن ملاعباته ما نقله أنس بن مالك من أنّه صلى الله عليه وسلم كان يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول: يا زوينب، يا زوينب مرارا.
لم يكن صلى الله عليه وسلم متقعرا ولا متشدقا بحيث لا يفهم ومع ذلك لم يكن يختصر الكلام اختصارا مخلا، بل إنّه أوتي جوامع الكلم كما أخبر هو عن نفسه حيث قال صلى الله عليه وسلّم: أعطيت فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه. فكان مؤدبا مهذبا ليس بالجاف ولا المهين. أمّا عن تواضعه في أكله فقال صلى الله عليه وسلم: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس. وكان صلى الله عليه وسلم يقوم اللّيل حتى تتفطر قدماه فتعاتبه عائشة في ذلك قائلةً يا رسول الله تفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا.
ومع ذلك لم يكن صلى الله عليه وسلم مبالغا في الزهد والتقشف إلى الرهبانية وتكليف النفس ما لا تطيق بل إنّه نهى عن ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم مثالا لربّ الأسرة الجاد في طلب الرزق الحلال فلم يكن منقطعا للعبادة بل كان يكسب رزقه بيده حيث كان يعمل في رعي الأغنام متكففا أيدي النّاس كما حال الكثير من أدعياء الزهد. عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لأن يأخذ أحدكم حبله، ثمّ يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع، فيأكل، ويتصدق، خيرٌ له من أن يسأل النّاس له. أمّا عن اعتداله صلى الله عليه وسلّم في الإنفاق والأكل والشرب قال: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة، فإنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده.
كما حثّنا القرآن عن ذلك في العديد من مواضع منها قوله تعالى {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (الإسراء 29) وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر باعتدال فلم يكن فظا غليظا ولم يكن باردا متبلد الأحاسيس لا يري الجاني عظيم جرمه، وكان يراعي حال المدعو فهذا معاوية بن الحكم السلمي لما شمت عاطسا في الصلاة جهلا منه بعدم مشروعية هذا الفعل، لم ينهره النّبيّ صلى الله عليه وسلم بل وجهه بكل لطف بقوله إنّ صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس إنّما هي التسبيح والتكبير والتهليل.
ومع ذلك قال للصحابيّ الفقيه معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أطال الصلاة في قومه حتى اشتكى أحدهم من ذلك أفتانٌ أنت يا معاذ. وعن ابن مسعود أنّه قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة منّا. لم يكن يعظهم كلّ يوم بحيث يعرضهم للضجر ولم يكن يتركهم بلا موعظة فتقسوا قلوبهم. ولم يكن صلى الله عليه وسلم مفرطا ولا مفرطا في استخدام ما يكفيه دون إسراف.قال أنس بن مالك رضي الله عنه كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد.