من هم الدستوريون؟ ما الذي يجمعهم وما هي نقاط الخلاف بينهم وما الذي يعطّل توحّدهم وبروزهم كقطب سياسي؟ وهل تمثّل مبادرة الباجي قائد السبسي الإطار الأمثل لتحقيق هدف التوحّد الذي تعمل عليه طائفة واسعة من الدستوريين؟ ولماذا لم تلتحق أحزاب مثل «المبادرة» بقائد السبسي؟ يؤكّد متابعون للشأن السياسي في تونس أنّ مستقبل الساحة السياسية سيشكّله بالأساس قطبان أولهما حركة «النهضة» التي تقود اليوم ائتلافا حاكما وثانيهما الدستوريون الذين يشكّلون قوة ذات وزن وذات خبرة سياسية ودراية بمفاصل الدولة وهياكلها وبالتالي بكيفية إدارة شؤون البلاد، ولكن يبقى الاختلاف قائما حول كيفية التعاطي مع هذه القوة، فالبعض يدعو إلى إقصائها وحرمانها من ممارسة الحياة السياسية والبعض الآخر يتعامل بشيء من البراغماتية والواقعية ويدعو إلى تعايش مع هذه القوة دون إهمال عنصر المحاسبة على أن تكون المحاسبة قضائية وتشمل كل من يثبت تورّطه في قضايا فساد.
خيارات وتوجهات مختلفة
ويبدو الدستوريون اليوم أمام خيارات متعدّدة وأساليب مختلفة في العمل لكن النتيجة التي يرومون الوصول إليها واحدة حسب ما يؤكّده مصدر قريب من الحراك الذي تشهده العائلة الدستورية اليوم للعودة إلى الساحة السياسية.
وأوضح المصدر أنّ نقطة الخلاف الأساسية بين مكونات العائلة الدستورية هي «هل نواصل بنفس العقيدة السياسية والاجتماعية التي انبنى عليها الحزب الدستوري بمختلف مراحل تشكّله تاريخيا أم لا» وأنّ هناك من يعتبر أنّ هذه العقيدة لا مكان لها في المستقبل، مثل حزب الوطن الحرّ والمبادرة اللذين يعتبران أنه لا بدّ من بناء جيل جديد والاكتفاء باستلهام الحركة الإصلاحية من الفكر الدستوري فيما يرى آخرون أن الحركة الدستورية لا تزال صالحة إلى اليوم لسببين أولهما أنها قامت على مبدأي الحرية والكرامة وثانيهما المنهاج المجتمعي الحداثي المقترن بتفتّح اقتصادي واجتماعي وأنّ «المذهبية الدستورية لا تزال صالحة إلى اليوم ولا بدّ من تأهيلها وتكييفها مع الواقع التونسي الجديد» وهذا توجّه الحزب الوطني التونسي والحزب الدستوري الجديد.
والدستوريون هم أولئك الذين انتموا إلى الحركة الدستورية التي ترجع عقيدتها إلى مؤتمر البعث (2 مارس 1934) وهي عقيدة تطوّرت وأصبحت في ما بعد الاشتراكية الدستورية التي خرج منها الحزب الاشتراكي الدستوري في مؤتمر المصير (1964) قبل أن تشهد انفتاحا على أطياف سياسية أخرى من قوميين ويساريين وإسلاميين اندمجت في مؤتمر الإنقاذ عام 1988.
وأوضح المصدر أنّ «العقيدة كانت هي نفسها ولكنها تطورت حسب مراحل الكفاح وبناء الدولة والمجتمع وحسب طبيعة النظام السياسي الذي جاء بعد سنة 1987.
مفعول عكسي؟
ويأمل الدستوريون أن يجدوا في مبادرة الباجي قائد السبسي مجالا للمّ شمل العائلة الدستورية رغم أنّ المبادرة لم تتضمن في محتواها ولا في تركيبتها إثارة قوية إلى الدستوريين، لكن الباجي أكّد أنه سيدافع عن الدستوريين لتأمين مشاركتهم في الشأن العام وبالتالي فإنّ هذا المعطى وعملية الإقصاء المحتملة قد تمثّل عنصر توحيد للدستوريين وفرصة لتجاوز الخلافات الفكرية بينهم حسب مصادر قريبة من مبادرة السبسي.
وحسب هذه المصادر فإنّ الدستوريين المتحمّسين لمبادرة قائد السبسي يقولون بضرورة إرساء فصول جديدة في الدستور رغم قناعتهم ببعض الفصول التي كانت محلّ وفاق وستبقى كذلك مثل الفصل الأول من دستور 1959 وهم أيضا مستعدّون للمحاسبة إن أخطؤوا على أن تكون المحاسبة قضائية وانطلاقا من هذه العناصر سيعملون على توحيد نضالاتهم وطاقاتهم للتصدّي لكل محاولات إقصائهم.
وأكّدت هذه المصادر أنه خلافا لما قد يعتقد البعض بأنّه كلّما تم ضرب الدستوريين يتم إضعافهم فإنّ هذه المساعي لإقصائهم ستكون في صالحهم، مشيرة إلى وجود تحركات بين حزب المبادرة والحزب الوطني لتكوين جبهة لمقاومة هذا الإقصاء وأن هناك اتصالات متقدّمة جدّا لتوحيد تحرّك الدستوريين مهما كانت اختلافاتهم.
وتابعت المصادر أنّ ما يُسمّى «مجموعة ال22» طرحت نقطتين أساسيتين على الباجي قائد السبسي لإنجاح مسار توحيد القوى الدستورية وهما القيام بعملية نقد ذاتي ومصارحة الشعب.
وردّا على سؤال حول أسباب المخاوف التي يستشعرها التونسيون اليوم من عودة الدستوريين إلى الساحة السياسية قالت المصادر إن مردّ الخوف هو الانفراد بالحكم ورفض التداول على السلطة واغتصاب سلطة صندوق الاقتراع.