حسمت قيادة منظمة الأعراف الموقف حين قرّر المجلس الوطني تحديد موعد المؤتمر يومي 27 و28 جوان القادم بعد نقاشات ساخنة وحادة.. فلن يكون من مصلحة الأعراف ومن مصلحة منظمتهم تأخير المؤتمر أو تواصل بقاء الوضع على حاله فالجميع يقرّ الآن أن الأعراف ورجال الأعمال في تونس كانوا من بين الشرائح التي عانت طيلة الفترة الماضية وكادت أن تعصف باتحاد الصناعة والتجارة تجاذبات الفوضى والانفلات والانقسامات والانشقاقات لكن قيادته الحالية وهو ما يحسب لها نجحت في حماية البيت رغم التصدّعات الكثيرة ورغم المصالح المتضاربة. شيوعيون قليلون ربما يعرفون أن فكرة تأسيس اتحاد الصناعة والتجارة كانت بمبادرة من الشيوعيين في تونس قبل أن تتحول المنظمة الى تابع للحزب الحر الدستوري. وكانت المهمة الأولى هي الدفاع عن حقوق مصالح صغار التجار والحرفيين في تونس. وبعد بدايات التأسيس وجد اتحاد الصناعة والتجارة ووجد الأعراف أنفسهم في ارتباط عضوي وثيق بالحزب الحاكم وأساسا بنظام الحكم في تونس طيلة عقود حكم الرئيس الحبيب بورقيبة وبعدها في فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وخلال ال23 سنة الماضية تحول اتحاد الأعراف في تونس الى جزء من النظام يدافع عن خياراته الاقتصادية والاجتماعية ولكنه أيضا كان مدافعا شرسا عن مصالح منظوريه من الأعراف. وبعد 14 جانفي 2011 وجد الأعراف أنفسهم متهمين بشكل مباشر بأنهم كانوا جزءا من منظومة «الفساد» وبأنهم شركاء للنظام الذين استفادوا منه وهو الأمر الذي كان وراء التجاذبات الحادة والكبيرة التي عرفتها منظمة الأعراف وأدّت بشكل مباشر الى استقالة الهادي الجيلاني أشهر من قاد اتحاد الأعراف طيلة السنوات الماضية وتشكيل لجنة للإنقاذ وتوسيع المكتب التنفيذي. في الأثناء كان الأعراف ورجال الأعمال في تونس يواجهون وحدهم ضغوطات الشارع التونسي واتهاماته التي لا تنتهي ولم يكن الاتحاد حينها قادرا على الدفاع عنهم والوقوف معهم وأعلن بعدها عن منع 460 رجل أعمال من السفر والى حدّ الآن يتواصل المنع دون ملفات قضائية وقانونية واضحة ودون مؤيدات قدمت.. كان الهدف الأول حماية البيت من الانهيار مثلما حدث لمنظمات أخرى تلاشت وانهارت وانتهت الى حين الوصول الى المؤتمر وحماية البيت تحتاج أولا الى توحّد الأعراف وهو أمر كان يصعب تحقيقه طيلة الفترة الماضية بفعل الكثير من العوامل أهمها عامل التجاذبات السياسية الذي انخرط فيه الأعراف ورجال الأعمال حتى أن أسماء البعض ارتبطت ارتباطا لا لبس فيه بتيارات وأحزاب سياسية فقد اعتقد الأعراف أن الأحزاب قد توفر لهم الأمان في غياب منظمتهم التي تعصف بها الخلافات والتجاذبات وهو ما لم يتحقّق. المؤتمر ويؤكد المراقبون الآن أن أمام الأعراف في تونس فرصة واحدة لإنقاذ منظمتهم وهي المؤتمر وسيحسب للقيادة الحالية تحقيق هذا الهدف وإيصال المنظمة الى شاطئ النجاة بعد عواصف شديدة شهدتها على مدى أكثر من عام. لكن المؤتمر بفعل الكثير من التجاذبات والانفلاتات في صفوف الأعراف لن يكون سهلا وقد يصعب في كل الحالات الوصول الى وفاق حقيقي بين الأعراف بفعل اختلاف المواقف واختلاف الرؤى والمصالح. سياسة وهناك اليوم خشية حقيقية من تدخل «السياسة» في مؤتمر الأعراف في وقت ارتفعت فيه درجة الاستقطاب داخل الأحزاب «القوية» الراغبة في السيطرة على مفاصل المجتمع. تحديد موعد «المؤتمر» هو بداية حقيقية لخروج منظمة الأعراف من أزمتها.