استمرّ الجدل يوم أمس في الصفحات التونسية حول زيارة الداعية الشيخ يوسف القرضاوي إلى تونس، وهاجمت صفحات اليسار والمعارضة هذه الزيارة وأعادت نشر تصريحات كثيرة للشيخ يثمّن فيها حماية الجنرال بن علي للدين الإسلامي. في مقابل ذلك، ردت صفحات أنصار النهضة وأحباء الشيخ بنشر صور الجموع الغفيرة التي استقبلت ضيف النهضة في سوسة وعدة أماكن أخرى، غير أن الحرب بين اليسار والنهضة سريعا ما وجدت موضوعا أكثر إثارة وهي مسألة الاعتداء الوهمي على ضريح المصلح الطاهر الحداد والتي كشفت عن هشاشة الخطاب السياسي في تونس وتورط عدة سياسيين في معارك طاحنة اعتمادا على إشاعات تنتشر في الموقع الاجتماعي.
ونشر أنصار النهضة في الموقع الاجتماعي يوم أمس بكثافة مقطع فيديو للنائب سمير بالطيب يتحدث فيه عن غضبه واستيائه الشديد بسبب الاعتداء على ضريح المصلح الذي كان له الفضل في المبادرة بالدعوة لتثقيف المرأة التونسية وتحريرها من النظام الاجتماعي الذي لم يكن يعتبرها ندا للرجل. وتضامن كثيرون في عدة قنوات تلفزية وبرامج حوارية مع النائب سمير بالطيب ثم تلقفت بعض الصحف هذه الحادثة للحديث عن الهجمة السلفية على مكتسبات الحداثة وعلى رموز البلاد ورجالها وتاريخها وما إلى ذلك من الخطاب السياسي والإيديولوجي المعروف في المعركة بين اليسار والنهضة. ولا يتردد كثير من الناشطين المعروفين بحيادهم في التحذير من تنامي السلفية في الأشهر الأخيرة خصوصا وأن بعض تياراتها لا يخفي معاداته لمكتسبات الحداثة وقيم المساواة التي عاش عليها المجتمع التونسي، لكن الحقيقة المرة التي انكشفت فيما بعد، جاءت من نشرة الأخبار في القناة الوطنية التي بثت تحقيقا قصيرا نفى فيه محافظ المقبرة أن يكون ضريح المصلح الطاهر الحداد قد تعرض إلى أي اعتداء، ووضح أن كل ما في الأمر هي إجراءات الصيانة والتنظيف للقبر. ومن المؤكد أن الشقي الذي أطلق هذه الإشاعة يكاد يموت من الضحك هو يرى تأثير فعلته التي لم تكلفه شيئا على السياسيين ونخب البلاد.
ووجد أنصار النهضة في هذه الزلّة خير معين في حربهم اليومية على خصومهم من المعارضة واليسار، ولا فائدة هنا من استعراض محتوى الهجمات العنيفة التي شنّها النهضويون على السيد سمير بالطيب ومن معه لما فيها من مخالفة صريحة للقانون، لكن ناشطين محايدين كثيرين في الموقع عبروا عن امتعاضهم لهذا التسرع في إعلان الحروب بين السياسيين في تونس، مثلما كتب حقوقي من صفاقس من أن السيد سمير بالطيب «قد ورّط نفسه في قضية خاطئة» أساءت إلى اليسار والمعارضة. وكتب ناشط معروف في الوسط الجمعياتي: «أرجو أن يجد الكثير من مثقفينا وسياسيينا وإعلاميينا العقلانيين جدا الشجاعة الأخلاقية للاعتذار للشعب التونسي عن نقيصة» التسرّع والتحامل والنزعة الشعبوية بمحاولتهم اختلاق قضية وهمية تتعلّق بتدنيس قبر المرحوم الطاهر الحداد. إنّ الشخصية العامة لا تكتسب مصداقيتها من مبادئها ونضاليتها فحسب، بل أيضا من أخلاقيات التواصل التي تُظهرها في صراعها مع خصومها.
كثيرون استغربوا تسرّع النائب سمير بالطيب، واعتماده على إشاعة في ال«فايس بوك» لإطلاق قضية سريعا ما تبيّن أنها وهمية ولا أحد قبل منه ذلك حتى عن «حسن نية» لأن حسن النية لا توجد في السياسة كما كتبت ناشطة شابة من العاصمة ختمت تعليقها بما يلي: «إنها أزمة النخب التي تبحث عن حرب، وإن لم تتوفر مبررات الحرب، يخترعونها».
وفي هذه الحادثة، ثمّن أنصار النهضة حرفية قسم الأخبار الذي سارع بإجراء تحقيق قصير بيّن فيه الحقيقة قبل أن تتحوّل مثل هذه المسألة إلى وقود للصراع اليومي بين طرفي النزاع الأبدي في تونس: النهضة واليسار، وهو صراع أزعج حتى المصلح الطاهر الحداد في قبره على ما يبدو.