وشهد اليوم الثاني للمؤتمر الذي تنظمه جامعة الزيتونة بالتعاون مع اتحاد علماء المسلمين ثلاث جلسات تضمنت عددا كبيرا من المحاضرات التي ألقاها أساتذة متخصصون في الفقه والشريعة الإسلامية من تونس وقطر والمملكة العربية السعودية وماليزيا والجزائر والإمارات العربية المتحدة وباكستان. الحكم الرشيد والدولة وأكّد أمين عام اتحاد علماء المسلمين الدكتور علي محيي الدين القره داغي أنّ الحكم الرشيد يعني تحقيق الإصلاح بصرف النظر عمّا إذا كانت السياسة مستمدّة من الشرع أم لا، مشيرا إلى تعريف الخليفة عمر بن عبد العزيز للدولة العادلة بأنها «تقوم على العدل والرفاهية، يكون الظالم فيها مقهورا والمظلوم منصورا ولا بدّ للرجل في ظل هذه الدولة من مسكن يأوي إليه وخادم يكفيه مهنته وفرس يجاهد عليه عدوه... فإن لم توفر له الدولة ذلك فهي غارمة».
وأضاف القره داغي أنّ قول الله تعالى «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» يعني أنّ إدارة الشأن العام ليست من اختصاص فرد واحد بل هي مهمة مؤسسة جماعية، بمعنى أنّه لا بدّ ان يكون مع الحاكم أو السلطان مجموعة يكون لها رأي».
وأوضح القرة داغي أنّ العلاقة بين الحاكم والمحكوم تنظمها أربعة أمور وهي النظام العام والعقد الاجتماعي والقيم الأخلاقية والنصوص الفرعية الجزئية.وقدّم الأستاذ فتحي القاسمي من جهته مقاربة حول دور المصلحين السياسيين في تجديد الفقه السياسي، موضحا أنّ القرن 18 شهد اضطرابات في مؤسسة الحكم في تونس إلى أن تولى حمودة باشا السلطة وطلب من محمد بيرم الأول أن يكتب رسالة في ضرورة أن تضطلع الشريعة بدورها في تقنين حياة الناس، كما أشار إلى تأسيس أحمد باشا باي مدرسة عصرية عام 1842 وكيف واصل التونسيون، رغم ثورة علي بن غذاهم والاستعمار، التشريع والتأكيد أنّ الشريعة قادرة دائما على التجدّد، منطلقهم في ذلك قاعدة العدل أساس العمران والظلم خراب له.
وفي مداخلة بعنوان «أثر آليات النظام الديمقراطي في السياسة الشرعية فقها وتطبيقا» قال الأستاذ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بالجزائر الدكتور جدي عبد القادر إن لفظ سياسة وبالرجوع إلى نصوص الوحي «ورد في أحاديث نبوية مستعملا في دلالته اللغوية من القيام على شأن الرعية من قبل وُلاتهم بما يصلحهم من الأمر والنهي والإرشاد والتهذيب». وحسب عبد القادر فإنّ فكرة تأثر فقهاء الإسلام بأفكار غيرهم من الأمم في الشرع السياسي ترجع إلى نشوء الفقه نفسه كما أن فقهاء السياسة أخذوا في الجانب الخاص بالآداب السلطانية بالكثير من تراث الفرس والهنود الذي كان مصبوبا في مواعظ بليغة وحِكم نافذة، ولم يتحرّج فقهاء مثل الماوردي والشافعي من الاستفادة من تراث غيرهم في ما لا يتعارض مع قيم الإسلام».
نهاية الدولة الدينية
وأضاف عبد القادر أنّ «القول بخضوع الدولة للقانون أو بنظام الدولة القانونية معناه خضوع الدولة للقانون في جميع مظاهر نشاطها سواء من حيث الإدارة أو القضاء أو التشريع، لذلك صار من المسلمات المعاصرة لدى فقهاء الشريعة والقانون أنّ الدولة المعاصرة زالت عنها الصفة الدينية التيوقراطية بل لقد تأكدت فيها سيادة القانون في ما ينشأ بين الأفراد من علاقات، كما أنّ القانون يسود علاقاتهم مع الهيآت، وأن سيادة القانون هي بديل سياسة الاستبداد والطغيان».
وفي طرحه لمفهوم التداول على السلطة وتقييد ولاية الحاكم زمنيا قال عبد القادر إنّ التداول بالمعنى الفقهي الوضعي هو مبدا ديمقراطي لا يمكن وفقه لأي حزب سياسي أن يبقى في السلطة إلى ما لا نهاية، بل يجب أن يُعوّض بتيار سياسي آخر، وبذلك يكون التداول على السلطة بمثابة «التمثيل غير العنيف للثورة ومن خلال هذا المفهوم فإنه يضمن تحقيق شرطين هما التوازن والتطور وذلك بهدف تحقيق عنصرين هما استمرارية المؤسسات والنظام السياسي، وكذلك تجديد النخب الحاكمة، وهو المعيار الذي يجسّد الديمقراطية في الحكم».
وتحدّث الأستاذ المحاضر بكلية الحقوق والعلوم السياسية بالجزائر الدكتور محمّد مراح عن فقه الشورى المعاصر (الشيخ محمد الغزالي نموذجا) قائلا إن القرآن والسنة كانا المصدرين الرئيسيين لصناعة النموذج الإسلامي للحكم في العهد الراشد لكن سيرة الخلفاء الراشدين إلى جانب المصدرين المقدّسين رسمت سلوكا سياسيا غاية في الرشاد والحكمة من خلال التمثل البارع لمبدإ الشورى، قبل أن تمر على المسلمين عصور الانحطاط وما أفرزته من واقع سياسي غير سويّ.وتناول مراح الفقه السياسي التجديدي لدى الشيخ محمد الغزالي من خلال المستويات أو الدوائر التالية: النقد، ويشمل التجربة غير الموفقة للحكم باسم الإسلام. الفقه الشوري البديل الذي تطرحه تجربة الغزالي الدعوية الفقهية.
قاعدة طلب الحكمة من مصادرها أنّى وُجدت، وهي مبدأ إسلامي أصيل.وأشار مراح إلى قول الغزالي في الاستبداد السياسي الذي يعتبره «ليس عصيانا جزئيا لتعاليم الإسلام، وليس إماتة لشرائع فرعية فيه، بل هو إفلات من ربقته ودمار على عقيدته».