تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اصدع بحقّك؛ فالظلم يحيا بالسكوت ! بقلم الباحث يحيى جاد
نشر في الحوار نت يوم 18 - 01 - 2011


من وحي ثورة الشعب التونسي الأبي
اصدع بحقّك؛ فالظلم يحيا بالسكوت !
(تأملات في فقه الاستبداد والشورى والتغيير !)
دراسة تجديدية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر
يحيى جاد
باحث مصري
1- إن الاستبداد هو نتيجةُ التخلف وعلامةٌ عليه، مثلما هو سببٌ ومضاعِفٌ له .. وكلُّ مجتمعٍ مستبدٍ سياسياً هو حتماً مجتمعٌ متخلف .. وكلُّ مجتمعٍ متخلفٍ هو، لا مفر، مجتمع مستبد سياسياً .. فالاستبداد والتخلف صنوان مقترنان، مثلما أن الشورى (= الديمقراطية) [1] والتحضر لا يفترقان
2- إن مبعث الاستبداد - دائماً وأبداً، وفي أي زمان ومكان- هو (غفلة الأمة) .. فالأمة التي لا تقيم من نفسها رقيباً على حكامها؛ تحاسبهم على عن صغيرة وكبيرة أشد الحساب، سيستبد بها حتماً وكلاؤها؛ إذ الاستبداد أمر طبيعي في الحكام؛ فالحكم حلو الرضاع، مُرُّ الفطام .. وما من حكومة، حتى ولو كانت عادلة، تأمن من المساءلة والمؤاخذة - بسببِ غفلة الأمة أو إغفالها، توهانها أو لا مبالاتها- إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، ومن ثم - بعد أن تتمكن فيه- لا تتركه.
إن الطغيان لا يصنعه الطاغية، وإنما الأمة هي التي تصنع الطاغية والطغيان معاً .. فالأمة مسئولة عن الطغيان مسئولية الطاغية عن نفسه وزيادة .. "قال: يا فرعون, مين اللي فرعنك ؟ قال: ما لقتش حد يصدني" .. فالأمة هي المسئول الأول والأخير، الأصلي والأصيل، حتماً وبالضرورة، عن طغيان الطغاة واستبداد المستبدين
3- وبناءً عليه، فإن الأمة ليس لها إلا أن تلوم نفسها مبدأً ومنتهىً إنْ هي وقعتْ فريسةَ الاستبداد .. فهي الجاني مثلما هي المجني عليه .. هي الفاعل والضحية .. هي الظالم لنفسه والمظلوم بحاكمه .. ومن ثم، فإن الأوضاع السيئة التي تتردى وستتردى فيها وإليها كل يوم هي عقاب طبيعي مستَحَق لتفريطها في حق نفسها, وتهاونها في الدفاع عن حريتها وكرامتها وعزتها وسيادتها .. فالحاكم الطاغية إنما هو عقاب تلقائي وذاتي لأمته التي سمحت له بالاستمرار في الحكم .. إن الطاغية - وهو فردٌ أو حتى طبقةٌ ما- لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها .. لا يمكن أن يطغى أحدٌ - كائناً من كان، فرداً أو طبقة- في أمة كريمة أبداً .. ولا يمكن أن يطغى أحد في أمة رشيدة أبداً ..
ومن ثم، فإن خير عقاب لأيةِ أمةٍ على ما هي فيه من استبداد: هو ما هي فيه بالفعل .. وكأنها تعاقب نفسها بنفسها بانتظام .. تَذَكَّر: "كما تكونوا يُوَلَّ عليكم"، و"قل لي من حاكمك, أقل لك من أنت"، و"قل لي من الحاكم, أقل لك من الشعب".
4- ويمكن اختزال المشكلة برمتها في معادلة جامعة مانعة، ذات حدين وطنيين: الأمة - كقطب موجب- والحاكم - كقطب سالب- .. وليس العكس على الإطلاق.
وبناءً عليه، فالمسألة - مسألة الاستبداد- داخليةٌ بحتة، وعائليةٌ يقيناً .. ومن ثم، فالخطر الحقيقي على الأمة، أيةِ أمة، إنما ينبع من داخلها، من جماعتها نفسها، لا من خارجها، من الأجانب والغرباء والغزاة .. فالخطر الحقيقي هو في بطش الحاكم أو عجزه من جانب، وفاعلية الجماعة وإيجابيتها أو سلبيتها من جانب آخر.
5- وجماع الأمر كله هو أن حجم الحاكم ونفوذه ودوره إنما يتناسب تناسباً عكسياً مع يقظة الأمة وحميتها وقوتها وصلابتها ومقاومتها ؛ إذ الذي يطيل عمر الظالم هو فساد المظلوم نفسه (فساده مادياً ومعنوياً) !
6- وبسببٍ مِن خطورة ومحورية مسائل السلطة والحكام والشورى والاستبداد، وجدنا القرآن الكريم قد تحدث - حديثاً في غاية الأهمية والدلالة والعمق- عن (أولي الأمر) في موطنين اثنين: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" [النساء:59] .. "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أوالي الأمر منهم" [النساء: 83] .
ولنا على هذين الموطنين ملحظان :
الأول : أن التعبير القرآني لم يتحدث عن (ولي الأمر) بصيغة الإفراد الانفراد، وإنما تحدث عن (أولي الأمر) بصيغة الجمع .. الأمر الذي يزكي، بل ويوحي بضرورة, جعل السلطة - في الدولة والمجتمع- جماعية شورية؛ كي لا يغري ويفضي الانفراد بالسلطة إلى الاستبداد والطغيان .. فغير وارد عن الله، ولا هو من شرع الله، سلوك سبيل التفرد والانفراد بأمر المسلمين .. "كلا, إن الإنسان ليطغى؛ أن رآه استغنى" [العلق: 6-7] .. فالانفراد والاستغناء - وخاصة بالرأي أو بالقرار أو بالسلطان أو بالمال- هو المقدمة الطبيعية، والسبيل المستقيم، والقرين الصدوق، للطغيان والفساد والإفساد.
الثاني : أن القرآن الكريم قد اشترط لطاعة (أولي الأمر)، ولتخصيصهم بما اختصهم به، أن يكونوا (من) الأمة؛ بمعنى أن يكونوا موضع اختيارها، ومصدراً لثقتها، وأهلاً لقيادة حياتها .. وفي الدلالات القرآنية تأكيد على وجوب اشتراك الرعية - بالشورى- في اختيار (أولي الأمر)، وإلا لما جاز وصفهم بأنهم (من) الرعية .. فليس (منا) من هو (مفروض علينا) بالغلبة أو القهر أو الاستبداد أو التزوير .. كما أن في تلك الدلالات القرآنية تأكيداً على وجوب أن تكون الشورى هي السياسة التي ينتهجها الحكام؛ لأن وجود مقاليد الأمور بيد الجماعة - (أولي الأمر)- لا يستقيم بغير اعتماد (الشورى) سبيلاً واحداً ووحيداً لإنضاج رأي هذه الجماعة، ووصولها، بحكم ولايتها للأمر، إلى مرحلة القرار الصالح للتنفيذ.
7- وبناءً على ما سبق، فإن (الدولة) في الإسلام – بجهازها ورجالها- ما هي إلا (وكيلة) عن الأمة، و(مستخلفة) من قبلها .. تختارها الأمة، وتراقبها، وتحاسبها، بل وتعزلها عند الاقتضاء؛ إذ الحكام (عُمالٌ) عند المحكومين و(أُجراءٌ) لديهم .. فالحكم - في الدولة الإسلامية- هو لله، بواسطة الأمة المستخلَفة مِن قِبَل الله، وليس حكمَ فردٍ أو حزب أو طبقة تحتكر الحكم باسم الله، أو دوناً عن بقية الأمة .. إذ الأمة هي (مصدر) الدولة، والمشتق لا يجٌب المصدر، بل هو تابع له .. وهي (مصدر) تقنين النصوص وتشريع ما لا نص فيه .. وهي (الرقيبة) و(الحسيبة) على الدولة ومؤسساتها وسياساتها .. كما أنها (صاحبة) السلطة والسلطان في الاختيار والمحاسبة والتغيير والعزل، وفق مصلحة وأعراف الزمان والمكان، غير مقيدة بأية قيود سوى أحكام الشريعة ومقاصدها.
8- ولنا كذلك مع سنة رسولنا الأكرم (التي هي البيان القولي والتطبيق العملي للبلاغ القرآني)، الثائرِ الإصلاحي الأعظم، محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقفةُ تأمل .. يقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" [2] .
فمقاومة الشر والفساد والإفساد في المجتمع - بحسب هذا الحديث الشريف- إنما تكون بتغييره باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب .. على هذا الترتيب في الوجوب بحسب (السلطات) و(الصلاحيات) المخولة لأيٍّ منا؛ أي بحسب (دائرة تمكين) كل فرد في المجتمع ؛
فمرتبة التغيير العملي هي لمن توفرت لديه وسائل النفوذ والسلطان.
ومرتبة التغيير باللسان هي مهمة الدعاة والمرشدين والخطباء ووسائل الإعلام؛ أي كل من يملك أدوات التعليم والبيان والتربية والتوعية والإرشاد.
ومرتبة التغيير بالقلب - التي هي أدنى الوسائل وأضعف الإيمان- هي مهمة جماهير الناس فيما لا يندرج تحت دائرة التمكين العملية أو اللسانية لأيٍّ منهم.
وههنا وقفة طويلة؛ إذ كثيرٌ من الناس - خاصةً في عصور الانحطاط وعهود الاستبداد- يظن أن (التغيير بالقلب) معناه (مجرد الكراهية الباطنية)؛ أي أن تَكره الشر فيما بينك وبين نفسك، فلا ترضى عنه بقلبك - اللهم إنه منكر لا يرضيك ! – دون أن يبدو عليك أدنى أثر لهذه الكراهة وعدم الرضا.
والحق أن في هذا الموقف تحريفاً مزدوجاً؛ تحريفاً للكَلِم في العربية، وتحريفاً لمقاصد الشريعة الإسلامية ؛
ذلك أن (الإنكار القلبي المجرد عن كل مظهر إيجابي أو سلبي) لا يُسمى (تغييراً للمنكرِ بالقلب)، وإنما هو (إقرارٌ سكوتي) له و(تشجيع) عليه؛ إذ النبي (ص) لم يقل : "فلينكره بقلبه" وإنما قال : "فليغيره بقلبه"؛ فالذي يسكت على المنكر دون إبداء (وجه اعتراض) أو دون إبداء (مظهرٍ من مظاهر الإنكار) ليس (مغيِّراً للمنكر) بل هو (مقرٌّ به ومؤيده).
ثم إن (استبطان الكراهية) للمنكر مع (بقاء المعاملة لصاحبه على وجه البشاشة والمجاملة العادية، ومع المحافظة على تحيته وتكريمه كما يُكرَّم المحسِنون) - أي: إن (استبطان الكراهية) مع (إظهار الرضا)- هو (صريح النفاق) وليس (أضعف الإيمان)؛ إذ الرسول (ص) قد جعل (التغيير بالقلب) مرتبةً من مراتب الإيمان - وإن كانت أدناها وأضعفها- فكيف ننزل نحن به - بسوء تأويلنا- دركتين : إقراراً سكوتياً للمنكر، وإظهاراً للبشاشة في وجه من ارتكبه.
لقد أصبح أمر الشارع الحكيم لنا بالاستمساك بأدنى مراتب الإيمان أمراً بالنفاق - بسوء تأويلنا- .. ارجع البصر فيما قلنا كرةً أخرى، تتبين صدق قولي.
إن المقصود ب (التغيير بالقلب) هو (المقاومة السلبية الأدبية)؛ بالمقاطعة الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية، أو بالعصيان المدني والثورة الشعبية السلمية المحافظة، قدر الإمكان، على الأرواح الإنسانية والممتلكات العامة ..
فالتغيير بالقلب - كما ترى، وكما يجب- (موقف متحفظ) بل و(موقف سلمي مشتعل) يَشعُر فيه المسيء والمجرم بأنه كمية مهملة، وبأنه محروم من التكريم والتعظيم الذي قد تعوده ..
موقفٌ يُشعِرُه باستياء الآخرين من سلوكه، وبأنه في وحشة وعزلة بسبب هجرانهم له ومقاطعتهم إياه ..
موقفٌ نَشعُر فيه نحن بأننا بدلنا موقفنا الفاتر المائع المتراخي - موقفَ المجاملة الكاذبة لكل أحد ولو على حساب الحق والفضيلة- واتخذنا موقفاً آخر؛ شعوراً بمسئولية كلٍّ منا عن الحقوق والآداب العامة ..
إنه موقف لا يتطلب منا أكثر من العزم والتصميم والشجاعة الأدبية في سبيل كرامة أمتنا وكرامة أنفسنا ..
موقفٌ لا يكلفنا شيئاً من المجهود البدني ولا المالي، بل هو راحةُ بدنٍ وضمير، وكبحٌ لجماح الفاجر، وصفعةٌ على وجه المسيء.
على أنه لا يكفي أن يقوم بهذه المهمة فردٌ أو بضعة أفراد, بل لابد من التعاون في كل مجتمع، وكل بيئة، وكل حي، وكل قرية، على مجانبة المفسدين ومقاطعتهم، وإلا فكلنا آثمون .. يجب أن يحمل الجميع راية التناصح والمصارحة والتواصي بالحق فيما بينهم، ثم مقاطعة من لا تنفع فيه النصيحة ويصر على الإثم والعدوان.
وأكرر، دونَ خوفِ مَلال، أن كراهية المنكر بالقلب دون أي مظهر إيجابي أو سلبي، مشاركةٌ في المنكر والإثم .. يقول تعالى : "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" [الأنعام 68] .. "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً" [النساء 140] ..
انظر كيف جعل الله أقل ما يخرج به المرء من المشاركة في هذه الآثام هو أن يُعرض عن صاحبها ويهجر مجلسه .. إن الساكت عن أي جريمة شريكٌ فيها، ولا مخرج له من الإثم في السكوت عنها إلا بعمل ما : أقله (العمل السلبي)؛ بمقاطعة صاحبها وهجرانه، هذا أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك حبة خردل منه : "إنكم إذاً مثلهم" [النساء 140] .. ألم تسمع باللعنة التي نزلت على بني إسرائيل ؟! .. ألم تعلم أنهم "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه" فاستحقوها بذلك عن جدارة ؟! ؛ إذ ليس يكفي إغماض العينين، والاستمرار في المعاملة الطبيعية للآثم، فكن من الذاكرين.
إن التواصي بالحق، ومنه، بل في صلبه، مقاطعةُ الظلمة المستبدين، وإعلان العصيان المدني في وجه أنظمتهم الشائهة، والثورة الشعبية السلمية عليهم .. إن التواصي بهذا الحق، والتواصي بالصبر عليه، سلاح بتار ليس فيه شيء من الخطورة على من يستعمله؛ لأنه موقف سلبي خالص لا يؤاخِذُ عليه قانون، ولا يحظره أدب .. ومن عجز عن استعمال هذا السلاح الضعيف، فهو عن استعمال غيره أعجز !!
إن أسوأ الشعوب في ظني : شعوبٌ تمسك بها النيران من كل جانب ولا تحاول حتى أن تصرخ .. وتحيط بها النكبات من كل مكان ولا تحاول حتى أن ترفض .. ويحكمها الشر وترضى .. ويسود فيها الصغار وترضخ .. ويذبح فيها الشرفاء كل يوم : وتضحك ! .. ومن ثم، كانت، ولا تزال، وسوف تظل، سفوحُ الجبال مستقرهم الطبيعي ومقرهم الدائم؛ إذ هي مقابر المترددين المرتعشين !
وتذكر دوماً أن العبيد هم الذين يصنعون الطواغيط؛ إذ الحرية لا توهب لأنها ليست صدقة، وإنما تؤخذ لأنها حق .. والذي يولد ليزحف لن يتمكن يوماً من الطيران .. ولن يستطيع أحدٌ ركوب ظهرك إلا إذا كنتَ منحنياً ..
اصدع بالحق؛ فالظلم يحيا بالسكوت
اللهم بلغت .. اللهم فاشهد !

المصادر والمراجع
1- الإصلاح بالإسلام: معالم المشروع الحضاري للإمام محمد عبده, د/ محمد عمارة, ص (203), ط 1, 2006م, مكتبة نهضة مصر- القاهر
2- الإسلام والاستبداد السياسي, حكيم الدعوة الإسلامية/ محمد الغزالي, ص (144), ط 1, 2003م, دار القلم - دمشق
3- الإسلام والتعددية: الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة, د/ محمد عمارة, ص (225, 236), ط 1, 1997م, دار الرشاد- القاهرة
4- الإسلام وحقوق الإنسان: ضرورات لا حقوق, د/ محمد عمارة, ص (44- 45), ط 1, 2005م, دار السلام- القاهرة
5- حصاد قلم, العلامة الإمام د/ محمد عبد الله دراز, جمع وإعداد وتحقيق الشيخ/ أحمد مصطفى فضلية, مراجعة وتقديم د/ عبد الستار فتح الله سعيد, ص (290), ط 1, 2004م, دار القلم - القاهرة والكويت
6- دراسات إسلامية في العلاقات الدولية والاجتماعية, د/ محمد عبد الله دراز, ص (149- 151, 152- 153), ط 5, 2003م, دار القلم - القاهرة
7- شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان, إمام الجغرافيا الحضارية العلامة د/ جمال حَمْدَان, (2/590, 594- 599), بدون تاريخ, دار الهلال – القاهرة
8- الفكر المقاصدي: قواعده وفوائده, أستاذنا الجليل د/ أحمد الريسوني, ص (115), ط 2, 2008م, دار الهادي - بيروت
9- في النظام السياسي للدولة الإسلامية, أستاذنا الجليل د/ محمد سليم العوا, ص (154- 155, 160), ط 2, 2006م, دار الشروق – القاهرة
10- في فقه الاجتهاد والتجديد – دراسة تأصيلية تطبيقية, يحيى رضا جاد, تقديم د/ محمد عمارة, ص (197- 200، 235- 237), ط 1, 2010م, دار السلام – الأزهر/القاهرة
11- معالم المنهج الإسلامي, د/ محمد عمارة, ص (145- 146, 149), ط 3, 1998م, دار الرشاد- القاهرة
------------------------------------------------------------------------
[1] الديمقراطية الغربية بعد إخضاعها لهيمنة فلسفة الإسلام السياسية؛ لا افتراق بينها وبين الشورى. وتوضيح ذلك ليس هذا مقامه.
[2] أخرجه مسلم (49، 50) وأبو داود (1140).
************************
وههنا تعريف بكاتب المقال
يحيى رضا جاد
1- كاتب وباحث إسلامي مستقل (مع احترام وتقدير كافة المذاهب الفقهية .. والاستفادة منها والنقد لها) .. مهتم بقضايا الفكر الإسلامي والفقه والأصول والمقاصد .. ومسائل الاجتهاد والتجديد
وطالب بالفرقة السادسة بكلية الطب البشري - مصر
ولا أنتمي لأي جماعة أو حزب أو تنظيم
2- الطالب المثالي على مستوى محافظة الجيزة والتاسع على مستوى جمهورية مصر العربية
3- أول الجمهورية في (تأليف) الشعر
4- وأول محافظة الجيزة في (إلقاء) الشعر
5- وأول الجامعة كذلك في تأليف الشعر
6- أساتذتي : لقد شرفتُ - وما زلت أشرف- بتتلمذي على :
أ- فيلسوف القرآن والسنة - د/ محمد عمارة -عضو مجمع البحوث الإسلامية (هيئة كبار العلماء في مصر) وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة بالأردن.
ب- حكيم القضاة وفيلسوف المؤرخين (التاريخ السياسي تالحديث والمعاصر) المستشار الجليل/ طارق البشري
ج- المفكر الإسلامي الرباني وأستاذ هندسة الطيران - د/ سيد دسوقي حسن
د- شاطبي العصر أد/ أحمد الريسوني - المسئول عن معلمة القواعد الفقهية
ه- خالي وأستاذي الجليل د/ نبيل الشاذلي أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة بني سويف (رحمه الله) والأستاذ السابق بالمعهد العالي للقضاء بالرياض
و- العلامة الفقيه المجتهد د/ يوسف القرضاوي - رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ز- العلامة الفقيه المجتهد أد/ محمد هيثم الخياط - عضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة - وعضو كافة مجامع اللغة العربية على مستوى الوطن العربي
ح- العلامة القانوني والفقيه المجتهد أد/ محمد سليم العوا - الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - وعضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة - وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
ط- الخطيب القرآني المفوه والمفسر الملهم أ/ محمد المراكشي
ي- أد/ عبد الحميد مدكور - الرئيس السابق لقسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة - وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
ك- أد/ مصطفى رجب - أستاذ التربية بكلية التربية (والعميد الأسبق لها)- جامعة سوهاج
ل- المفكر الإسلامي الكبير د/ زغلول راغب محمد النجار (زغلول النجار)
م- العلامة الفقيه المجتهد/ عبد الله بن يوسف الجديع - عضو المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء (وهو أقل أساتذتي صلة بي وصلة به؛ إذ كثيراً ما يحجب نفسه عن طلابه - لضيق وقته- عدا من هم في بريطانيا؛ حيث يقيم)
7- مؤلفاتي :
1- من أسرار الحج – دراسة في فقه الدلالات والمقاصد
2- الردة في ضوء القرآن والسنة والمقاصد
3- في فقه الاجتهاد والتجديد - دراسة تأصيلية تطبيقية (تقديم د/ محمد عمارة – ط 1- 2010م – دار السلام بالأزهر – القاهرة)
4- في فقه الغناء والموسيقى - دراسة تأصيلية في ضوء القرآن والسنة والمقاصد (قيد النشر إن شاء الله)
5- فيلسوف القرآن والسنة د/ محمد عمارة - جولةٌ في رحاب نتاجه الفكري ورصدٌ لجهوده في تجديد أمر الإسلام (قيد النشر إن شاء الله)
6- قانونُ التأويل الإسلامي لنصوص القرآن والسنة وشروطُ المجتهد (قيد النشر إن شاء الله)
7- هل يصح تأصيلاً تقويةُ الحديث بتعدد طرقه الضعيفة والاحتجاجُ به ؟ (قيد النشر إن شاء الله)
8- النظرية الإسلامية للفن
9- الإسلام والعقل
8- وقد وفقني الله تعالى لدراسة المشروعات الفكرية لعدد من أعلام الفكر والدعوة والكتابة الإسلامية, أمثال :
أ*- بعض أساتذتي السابق ذكرهم
ب*- حكيم الدعوة الإسلامية الشيخ/ محمد الغزالي (رحمه الله)
ت*- إمام الدعاة الشيخ الرباني الجليل/ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله)
ث*- فارس العلم والإيمان د/ مصطفى محمود (رحمه الله)
ج*- إمام فقهاء مصر والعميد السابق لكلية دار العلوم بالقاهرة .. أد/ محمد بلتاجي حسن (رحمه الله)
ح*- وغيرهم من الكبار والأعلام بصفة عامة, أمثال : د/ يوسف القرضاوي - عبد الحليم أبو شقة - د/ جمال حمدان - أستاذنا د/ زغلول النجار – د/ عبد الوهاب المسيري - د/ طه العلواني - د/ محمد سليم العوا - المحدث الشهير/ محمد ناصر الدين الألباني (محمد نوح نجاتي الألباني الأرنؤوطي)
9- وقد طلبت - وما زلت وسوف أظل إلى الممات إن شاء الله- العلم (بمعناه الواسع العام الشامل؛ العلوم الإسلامية والكونية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية) منذ سن جد صغيرة (في العقد الأول من العمر) .. واللهَ أسأل أن يوفقني - دائماً- إلى ما فيه خير البلاد والعباد
والحمد لله أولاً وآخراً .. وأسأله المزيد من فضله .. كما أسأله توفيقه لشكره على ما أسبغ عليَّ ويسبغ من نِعَم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.