أي مستقبل لحرية الابداع، او التعبير الفني في تونس بعد تجريم صاحب تلفزيون «نسمة» لبثه فيلم «بيرسيبوليس» للمخرجة الايرانية الاصل مرجان ساترابي، والذي رأت فيه المحكمة تعكيرا لصفو النظام العام ونيلا من الأخلاق الحميدة. سؤال نطرحه في هذا الملف لما في الحكم من تهديد لحرية التعبير وحرية الابداع أساسا. كانت محكمة تونس الابتدائية قد قضت يوم 3 ماي الجاري الموافق لليوم العالمي لحرية الصحافة بتغريم صاحب تلفزيون «نسمة» بخطية مالية قدرها 2400 دينار ومسؤول البرمجة وصاحب الجمعية التي قامت بدبلجة الفيلم الى التونسية، ب 1200 دينار لكل منهما.
وإذ يبدو الحكم في ظاهره «خفيفا» او «رحيما» فإنه يطرح أكثر من تساؤل حول مستقبل حرية الابداع في تونس. فماذا لو كان الفيلم تونسيا مثلا او مخرجه تونسيا، ماذا سيكون مصيره؟ وهل يمكن عرض مثل هذا الفيلم مستقبلا، في قاعات السينما التونسية حتى وإن كان مخرجه غير تونسي؟ خرق المادة 19 ان الاحتجاجات وأحداث العنف التي عقبت بث الفيلم على تلفزيون «نسمة» في أكتوبر الماضي وأدت الى رفع المسألة الى القضاء لم تكن على تلفزيون «نسمة» وصاحبه فحسب وإنما كانت على الفيلم ومضمونه كذلك الذي يدخل كما في المواثيق والمعاهدات الدولية في باب حرية التعبير، وأساسا حرية التعبير الفني او الابداع. فالاعلان العالمي لحقوق الانسان ينص في المادة 19 على حق الانسان في حرية التعبير التي لا تتضمن فقط حرية نقل ضروب المعلومات والأفكار بل أيضا حرية التماسها ونقلها دون اي اعتبار للحدود وبأية وسيلة سواء في شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او بأي من الوسائل الأخرى التي يختارها. حتى لا يجوع الذئب : ولا يغضب الراعي
ورغم أن الحكم الذي قضت به المحكمة يبدو في ظاهره خفيفا من حيث قيمة الغرامة المالية سواء بالنسبة الى صاحب التلفزيون او مسؤول البرمجة او صاحب الجمعية التي قامت بالدبلجة فإنه يحمل في نصه إشارة او دليلا على عدم احترام المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وضربا لحرية التعبير والابداع الفني وذلك بتجريم صاحب التلفزيون بالنيل من الأخلاق الحميدة وهو حكم على مضمون الفيلم. ويأتي حكم المحكمة كما يبدو كمحاولة لإرضاء الطرفين المتنازعين حتى لا يجوع الذئب ولا يغضب الراعي في حين ان القضية أعمق وأكبر بكثير وتتعلق أساسا بحق تكفله كل المواثيق والمعاهدات الدولية وهو مثلما ذكرنا حرية الابداع والتعبير الفني. فكيف سيكون حكم المحكمة مستقبلا في مثل هذه القضية، علما وأن هناك قضايا مشابهة لا تزال مطروحة مثل قضية المخرجة نادية الفاني صاحبة فيلم «لائكية إن شاء الله»؟ ماذا بعد الخطية؟
إن ما نخشاه وما يخشاه المبدعون بدرجة أولى هو أن يكون هذا الحكم فاتحة لضرب حرية الإبداع وحرية التعبير عموما فاليوم إنذار وغدا خطية أو حبس وفي الحالتين حدّ من حرية التعبير وضرب لها وإلتفاف على أحد أبرز أهداف الثورة وهي الحرية ولعل ما يزيد من خشية المبدعين من افتقاد الحرية مرة أخرى وعودة الدكتاتورية بأشكال أخرى مختلفة عما كان مألوفا خلال فترة النظام السابق هو تعرضهم (المبدعون) للمضايقات والاعتداءات اللفظية والجسدية من قبل جماعات محسوبة على السلفيين والإسلاميين بشكل عام بسبب أفكارهم وآرائهم.
هذا إضافة إلى ما بات يتردد من أخبار وحول عودة الرقابة على الابداع والمبدعين وذلك من خلال لجان الدعم الفني والانتماء والتصنيف المسرحي والرقابة على الافلام الوطنية والأجنبية المستوردة من الخارج وتدخل وزارة الشؤون الدينية في المسائل التربوية والثقافية كمنح التراخيص لزيارة المعالم الدينية من أجل البحث والدراسة. وتبقى التساؤلات حول مستقبل حرية الابداع وخصوصا بعد اشتعال الضوء الأحمر مع الحكم الصادر في قضية «نسمة» مطروحة.
فماذا بعد خطية ال 2400 دينار؟ وكيف سيكون تعامل القضاء مستقبلا مع قضايا الرأي والتعبير؟ وكيف سيكون تعامل وزارة الثقافة والمحافظة على التراث مع الإبداع والمبدعين وخصوصا فيما يتعلق بالمشاريع الفنية التي تعرض عليها بهدف الحصول على الدعم؟ كما نتساءل عن المنهج أو الطريقة التي ستتعامل بها الوزارة كذلك مع الأعمال الفنية والأدبية والفكرية الواردة من الخارج ومنها أفلام أيام قرطاج السينمائية؟ كيف سيكون موقف الوزارة في حالة وجود فيلم مثل فيلم «بيرسيبوليس» ضمن برنامج الدورة القادمة لأيام قرطاج السينمائية؟ تساؤلات ستكشف حتما عن مدى احترام الحاكمين الجدد وخصوصا حزب حركة النهضة لحرية الإبداع والمبدعين.