شارك العديد من التونسيين يوم أمس في التعبير عن مشاعرهم إزاء انهزام الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي في انتخابات الرئاسة وفوز مرشح اليسار، والغريب هو ما انقسم عليه الناشطون التونسيون يوم أمس في صفحاتهم من مساندة أنصار النهضة لمرشح اليسار الفائز وتحسر بعض أنصار اليسار على هزيمة ممثل اليمين ساركوزي. كان يفترض في مفهوم السياسة أن يقف اليسار التونسي مع اليسار الفرنسي، ليس فقط لأسباب فكرية بل لأن زعماء اليسار الفرنسي كانوا تاريخيا مع المعارضة التونسية وخصوصا اليسار التونسي الذي عانى من التشريد والتشويه ووجد في زعامات اليسار الفرنسي سندا تاريخيا. في المقابل، اختارت زعامات النهضة في سنوات المحنة والهرب اللجوء إلى بريطانيا بدل فرنسا التي عرفت بمقاومتها الشديدة للتيارات الدينية.
غير أن ناشطي النهضة وأنصار الحكومة بادروا صبيحة الأمس بنشر أخبار التهاني الرسمية التي توجه بها ممثلو الحكومة والدولة التونسية إلى مرشح اليسار الفائز بانتخابات الرئاسة فرنسوا هولاند، ومن أطرف ما قرأنا يوم أمس في صفحة معروفة بولائها الشديد لحركة النهضة تعليقا على تهنئة سمير ديلو لرئيس فرنسا الجديد، جاء في التعليق: «حركة النهضة كانت دائما يسارية ولا تزال، ونحن سعداء بفوز مرشح اليسار».
ولأن اليسار والنهضة في تونس لا يلتقيان حتى في الجنة، فقد اختار بعض نشطاء اليسار معارضة النهضة حتى في موقفها من انتخابات فرنسا. وفي هذا المجال، نشر نشطاء النهضة صورا من تعليق شاب تونسي يتحسر بحرقة على هزيمة ساركوزي، ومما كتب في صفحته: «سنبقى أوفياء لك، لن ننساك أبدا». ورغم أن مثل هذا الموقف قد يمثل حالة فردية بسيطة، فقد استغلها البعض للحملة على من يسمونهم «أيتام فرنسا» الذين يتحسرون على هزيمة «بوهم الحنين» ساركوزي الذي كان أقوى سند لنظام الجنرال بن علي والذي سارع بإرسال طائرة محملة بالغاز المسيل للدموع والهراوات في آخر أيام الثورة التونسية.
بحثنا طويلا عن مواقف مساندة لمرشح اليسار الفرنسي الفائز في صفحات نشطاء المعارضة واليسار، وكتب ناشط حقوقي محايد في صفحته: «بعد الثورة التونسية، كانت حكومة ساركوزي أقرب إلى ممثلي المعارضة منها إلى سلطة الإسلاميين وهي لم تنظر إليهم بعين الرضا أبدا، سواء وهم في السجون والمنافي أو في الحكم بعد الثورة». كما يشير إلى أن أنصار النهضة كانت علاقاتهم دون المتوسط مع حكومة ساركوزي وهو ما يفسر انعدام الزيارات الرسمية بين الحكومتين، كما أن السيد بوريس بويون، سفير فرنسابتونس معروف بقربه من رموز المعارضة وبعده عن جماعة النهضة.
يكتب ناشط وحقوقي من اليسار التونسي: «ما نراه من استبشار بعض أنصار النهضة بفوز مرشح اليسار يدل على الغباء السياسي، إذ من الغباء أن نتصور أن اليسار الفرنسي سيغير سياسة فرنسا الخارجية تجاه تونس أو غيرها وخصوصا القضية الفلسطينية، من المعروف أن اليسار الفرنسي تاريخيا يعيش في سلطة يهود فرنسا واختياراتهم السياسية».
لكن مبادرة التهاني التي أطلقها ممثلو الحكومة ونشرها أنصارهم في الصفحات التونسية أثارت ممثلي اليسار والمعارضة، فكتب أحدهم تعليقا ساخرا جاء فيه: «لم نعد نحن أيتام فرنسا، سيصبح جماعة النهضة هم أيتامها وأبناء فرنسوا هولاند، رضي الله عنه».