تجدّدت الاعتصامات في المدة الأخيرة في عدة جهات من البلاد للمطالبة بالتنمية والتشغيل وهي مطالب مشروعة خاصة بعد سنوات التهميش التي شهدتها عديد المناطق التي حرمت من أبسط مظاهر التنمية رغم ما تحتويه من موارد طبيعية هامة وثروات باطنية تختزنها الأرض قادرة على تحويل تلك المناطق الى أقطاب اقتصادية وتساهم في القضاء على البطالة لو وقع استغلالها بطريقة جديدة. ولعل ما تعرّضت له الجهات الداخلية من سوء استغلال ثرواتها أو عدم استخدامها في تنمية الجهة المعنية ساهم في ظهور نوع من الإحساس بالحرمان أو ما أصبح يطلق عليه «الحقرة» لدى متساكني المناطق الداخلية التي كانت تشاهد ثرواتها تذهب الى عديد المناطق الأخرى ولا يتمتعون سوى بآثارها السلبية سواء من التلوث أو المخاطر الصحية أو غيرها مما أدّى في المدة الأخيرة الى تنامي مطالب تلك المناطق بضرورة الاستفادة لوحدها بما تتمتع به من موارد هامة من أجل التنمية وإحداث فرص للتشغيل وتحديث البنية التحتية مما من شأنه أن يقضي على الفقر والحرمان وهي مطالب تبقى دائما مشروعة، لكن الاشكالية تكمن في كيفية تبليغها أو التعبير عنها بطرق حضارية بعيدة عن العنف والفوضى والحرق لأن في كل ذلك خسارة للجهة بصفة خاصة والبلاد بصفة عامة وبذلك فقدان المزيد من فرص الاستثمار وتبخر آمال التشغيل، لأن المستثمر لن يغامر بالاستثمار في منطقة لا يتوفر فيها الأمن.
المسألة الثانية هي خضوع بعض التحرّكات الاحتجاجية الى المزايدات السياسية وهذا لا يخدم أي طرف بل يساهم في عرقلة عجلة الاقتصاد ويعيق النمو والاستثمار والمطلوب في هذه المرحلة هو تكاتف جميع الأطراف مهما كانت انتماءاتها والتخلص من الرايات الحزبية من أجل خدمة الوطن خاصة أن الجميع يعرف أن الوضع الذي تمر به البلاد صعب بعد عديد السنوات من الاستنزاف والتهميش والدكتاتورية.
أما المواطن فعليه أن يدرك أن تونس تتطلب منا المزيد من الصبر والتضامن للخروج من عنق الزجاجة وأن بلادنا تسع الجميع بعيدا عن منطق التعصّب الجهوي الذي بدا يطفو على الساحة من خلال مطالبة أهالي قفصة بالاستفادة من ثروات الفسفاط في تنمية الجهة وتشغيل أبنائها فقط، ودعوة أهالي تطاوين الى التمتع بثروات البترول بنفس الطريقة، أما أبناء الشمال الغربي فهم يهدّدون بعدم التفويت للدولة في صابة الحبوب وغيرها من الثروات إذا لم يقع إحداث مصانع تحويلية بالجهة وربما تنضمّ ولايات أخرى الى الركب في الأيام القادمة، هذا الأمر لا ينقص من مشروعية المطالب لكن تونس للجميع ومنطق المحاصصة الاقتصادية والتعصّب الجهوي لا يخدم أحدا باعتبارنا في نفس السفينة ومنطق التعاملات الاقتصادية والتفتح على الآخر تفرضه حتى العلاقات الدولية فما بالك داخل الدولة الواحدة وتبقى تونس للجميع.