ما أكثر ما كنت أفيق على صوت العصافير تتقر زجاج النافذة كنت أسمعها تقول بلهجة العاشق الخائب: متى يصبح لنا نهار تسطع فيه الشمس متى يصبح لنا ليل بلا خفافيش وفضاء بلا عسس! وهواء بلا قضبان !؟
ذات يوم أقبل مساء في هيئة صباح مشرق، سمعت شيئا آخر كانت العصافير تنقر على النافذة في ظلمة تتبدد كنت أسمع أحدها يشدو في مرح غريب : هذا هو اليوم الذي انتظرنا هذي هي الشمس التي رسمنا بالحروف ضوأها وتحت ضوئها سهرنا... ثرنا إذن!...ما أروح أن ثرنا!... وأردف يقول : إليك يا ثورتنا تحية زكيّه كم انتظرناك هنا في الصبح والعشية كي ترتقي بنا إلى درجة عليّة عليّة عليّة هذي العصافير تطير فرحا وهي على غنائها...مخلصة وفيّه
ولّى الظلام هاربا ومعه فرت خفافيش الظلام فرّ الظلام حين تنادت ها هنا زيتونة، وها هناك نخلة ومن هنا سنبلة ومنجل ونهر حين تنادت الجبال والسهول وشواطي البحر لم يستطع أن يصمد الأوغاد شهرا واحدا اندحروا يلعنهم تاريخنا وقبروا جميعهم في القبر، بئس القبر في ليلة مظلمة مقمرة نديّه
إليك يا ثورتنا تحيّة زكيّة منذ الصبا... منذ شعرت بالأنا..منذ عرفت من أنا والظلمات حولنا كالحشرات لا شمس، لا نجوم، لا أقمار وقلما مرّت علينا ومضة رعديه كنت أكاد لا أرى يدي لولا بصيص من ضياء كان يأتي ساطعا من داخلي كالنار فكان زادي الوحيد في ظلام الليل والنهار في نوره أعيش ومن ضيائه أستشعر الطريق مرة ومرة أستلهم الأشعار من أجل لحظة كهذه بهيّة. بهية جديدة جديده
تا للّه يا ثورتنا الفريده ماذا أقول الآن ! ماذا أقول للقصيدة !؟ من بعد كل هذه الأمطار والسيول يا سيدتي المجيده ماذا تبقى للقصيده! من بعد أن تجددت كل الحروف في لغتنا واستبشرت وأصبح الإنسان يجري كالدماء في عروقنا وابتلّت الجبال والسهول والصحراء واخضرّت الغابات والحقول، وفاضت الأنهار في بلادنا وازدهرت معالم اقتصادنا ! وشرعت أبوابنا الموصدة المسدوده
ماذا تبقى للقصيدة؟ ماذا أيا ثورتنا المجيدة؟ من بعد أن جددت في دمائنا الدماء وفي فضائنا الهواء حتى السماء أصبحت غير السماء كأنما تقاربت منا وكانت فظة خانقة بعيده
ماذا تبقى للقصيدة؟ من بعد أن تهاوت الجدران والسدود وامتدت الآفاق وكانت القصيدة تسهر ليلنا...ترجّ السادرين الناعسين كانت تمر كلّ حين تقرع الأجراس تشوش المضاجع الراكدة المهزومة وتزعج السكون في مكامن الحراس والحكومة...
والآن يا ثورتنا العظيمة ماذا تبقى للقصيدة الجريئة الرجيمه؟ من بعد أن عادت حليمة إلى عادتها القديمة!؟ وقمعت أزهارنا في عيدها وعنفت أشجارنا وهوجم الضياء والهواء والقلم ماذا إذن، أقول للقصيدة الجديدة القديمة ؟ من بعد أن تراجع الزمن وامتهنت حدائق الوطن ونكس الهلال والنجمة في ديارنا في ساعة كاسدة، غريبة، أثيمه ولم يجد هذا الوطن في الدولة الثورية العتيدة من يتصدى غيرة، للآثمين لولا فراشة صغيرة...حورية عظيمة كانت ولا ألف رجل... وهل جريمة أشد لعنة من هذه الجريمة ماذا حصل ؟! من يشعل النيران في حصادنا؟ منذ متى تلونت أحقادنا، منذ متى تعددت منابع الأنهار في بلادنا حتى التوت واشتبهت أمامنا السبل ونحن في ذهول تتركنا وراءها مكيدة لتقتفي أثرنا مكيدة...تسبقها مكيده
ماذا تبقى للقصيدة؟ يا أنت ...يا تاريخنا الجديد يا فجر ، يا نجوم ، يا رياح، يا أحلامنا، يا وجع الأعماق هل تكفر الطيور بالآفاق لامتدادها هل تكفر الطيور بالآفاق !! ماذا تبقى للقصيدة! مادام بعضهم يدمر البلاد والعباد والهويه بمشعل الحرية ويطفئ الشموع في الأحداف ماذا تبقى للقصيدة؟ هل تشتكي من كثرة الهواء الطلق هل تلعن الفضاء لاتساعه من بعد ما اختلطت الثمار والديدان والأوراق !... هل تنتحي ركنا وتبكي عهد دولة الفساد والسرّاق !؟؟ هل ننتهي كغيمة غبية في هاوية أم نستحي...ونتمنى ما تمناه نبي تونس الجميل المجهول للقبور والجذوع الخاوية. أفريل 2012 ألقيت بالمهرجان الوطني للشعر بالمتلوي في دورته التاسعة عشرة، يوم الجمعة 25 ماي 2012 وفي لقاء أدبي نظمته (رابطة الكتاب التونسيين الأحرار) حول الأدباء الراحلين من أصدقاء الرابطة بدار الثقافة ابن رشيق يوم السبت 2 جوان 2012.