اختناق مروري على الطرقات بسبب عدم احترام قواعد السير.. فضلات تكتسح كل شبر من المدن والأرياف.. مقاه ومحلات مختلفة احتلت بكراسيها وتجهيزاتها وسلعها الأرصفة.. محاولات متكررة من البعض للغش وللتحيل.. تدنّ أخلاقي في الشارع كلاما وسلوكا.. إنّها الفوضى. صباح أحد الأيام الماضية، في شارع محمد الخامس بالعاصمة، حاول أحد سواق التاكسي تجاوز الطابور الممتد امامه مستعملا المسلك المخصص للسيارات القادمة من الاتجاه المعاكس ففاجأته سيارات قادمة من أمامه وعجز عن العودة الى مكانه الاصلي مما تسبب في ارباك حركة المرور وفي توقفها تماما طيلة أكثر من 5 دقائق رغم تدخل أعوان الأمن. «السياقة أصبحت فوضى اليوم في تونس»، هكذا علق أغلب السواق المتواجدين بالمكان بعد أن فقدوا أعصابهم جراء الانتظار وجراء هذه اللخبطة التي تسبب فيها تصرف غير مسؤول لسائق تاكسي كان من المفروض أن يكون مثالا في « حسن السلوك المروري » وليس العكس.
فوضى السياقة ليست وحدها اليوم الحاضرة في المشهد اليومي للتونسيين.. «تكاد الفوضى تتحول الى خبز يومي على طول الشارع» يقول مواطن شاب كان يحاول تجنب كدس فضلات يحتل الرصيف ويمنع مرور المترجلين . بكل وقاحة
الصورة اليومية على طرقاتنا أصبحت مختزلة باجماع عدد كبير من السواق في عبارة واحدة : فوضى. فالمتأمل في الكيفية التي يقود بها عدد من السواق سياراتهم يكتشف ان قانون الطرقات فقد هيبته ولم يعد من رادع للمتهورين سوى تواجد أعوان المرور، وفي غيابهم تحل الفوضى والخروقات. وما يزيد في تأزم الحالة أحيانا توقف الأضواء عن الاشتغال عندئذ تعم فوضى حقيقية على المحولات المرورية وتحصل من حين لآخر حوادث مرورية مؤلمة ومشادات كلامية وضياع وقت بقية مستعملي الطريق.
ويؤكد اكثر من سائق حول هذا الموضوع أن الظاهرة السائدة اليوم على طرقاتنا هي عدم احترام ضوء التوقف (الأحمر) وعلامة قف وأولوية القادم من اليسار اضافة الى السرعة المفرطة. فقد أصبح ذلك مألوفا على مختلف الطرقات وأصبح بعض السواق يرتكبون ذلك «بكل وقاحة ودون أن يعتذروا من الطرف الآخر بل يعمدون أحيانا الى سب وشتم كل من يلومهم على صنيعهم ذاك، في مشهد لم يألفه كثيرا التونسيون ونادرا ما كان يحصل في السابق» على حدّ قول سائق تاكسي . وسخ في العقول
في أغلب المدن اليوم، تكاد الفضلات المنزلية والصناعية والتجارية تغمر الأنهج والشوارع، بسبب الالقاء العشوائي للقمامة في كل مكان وبقائها طيلة أيام وأحيانا أسابيع دون ان يقع رفعها.
المتحدثون ل«الشروق» حول هذا الموضوع يُحمّلون مسؤولية «فوضى القمامة» بصفة مشتركة للمواطن وللبلديات . فمن جهة هناك عدم التزام واضح من المواطن بأماكن وأوقات افراغ الفضلات في المصبات وفي الحاويات العمومية .ومن جهة اخرى هناك تخاذل غريب من البلديات في رفع الفضلات من المصبات ومن الشوارع. ومن أبرز ما جاء على ألسنة المواطنين في هذا الصدد أن الالقاء العشوائي للأوساخ في غير الاماكن المخصصة لها بالشارع أو أمام منازل الأجوار «يترجم عن وسخ في عقول من يقوم بذلك». ممنوع المرور
أكثر ما يشد الانتباه اليوم في تونس ظاهرة احتلال الأرصفة من قبل الباعة المتجولين والمقاهي والسيارات الرابضة وبعض المحلات التجارية. وطيلة الأشهر الماضية، ارتفعت نسبة التذمرات من هذه الظاهرة نظرا لما تسببه من مشاكل للمترجلين. فاحتلال الرصيف يدفع بالمارة الى السير على المعبّد وهو ما يهدد كثيرين بحوادث مرور خاصة التلاميذ الصغار ويخلق حالة من الفوضى في المدن التي تتميز بأكثر حركية. كما يتسبب ذلك في صعوبات لكثيرين في الدخول الى محلاتهم السكنية أو التجارية، وهو مشهد يعكس في رأي كثيرين حالة الفوضى التي أصبحت احدى «ميزات» الشارع التونسي. في بعض الادارات
رغم ما تميزت به الادارة التونسية من تماسك ابان أحداث الثورة، الا أن العمل في بعض الادارات أصبح يتسم بشيء من الفوضى مما تنجر عنه متاعب للمواطن في قضاء شؤونه. وتعود أسباب هذه الفوضى حسب أحد الموظفين الى «تراجع الشعور بالمسؤولية لدى بعض الموظفين وربما الى ضعف المراقبة في ادارات أخرى بما يُسهل تغيب البعض عن عملهم ويشجعهم على عدم القيام بواجباتهم على أحسن وجه». ويستشهد البعض في هذا المجال بحادثة تسريب امتحانات الباكالوريا، لكن بشهادة كثيرين فان الفوضى في الادارات تبقى محدودة ولا ترتقي الى حجم الظاهرة. كما أن الفوضى في مواقع العمل لا تقتصر على الادارات العمومية بل تشمل أيضا بعض المؤسسات الخاصة . فوضى سلوك
الى جانب مختلف مظاهر الفوضى «الملموسة»، يتذمر أغلب التونسيين من انتشار فوضى السلوك في الشارع. وتبرز مظاهر هذه الفوضى في الكلام البذيء على مرأى ومسمع من الجميع وفي عدم احترام صغير السن للكبير وفي الاعتداءات المجانية بالعنف التي يرتكبها البعض في الشارع أو حتى في العائلة أوفي مواقع العمل دون موجب، وهو ما يشهد به أغلب المواطنين. ردع
لأن مظاهر الفوضى بمختلف أنواعها هي في نهاية المطاف خرق للقوانين وللتراتيب المنظمة للحياة، فان الحل الأمثل لوضع حد لها حسب المواطنين هو الردع والصرامة في تطبيق ما ينص عليه القانون الى جانب التحسيس والتوعية وضرورة تحمل السلط العمومية قسطا من المسؤولية في ذلك .
فردع السواق المخالفين هو الوسيلة الأمثل للقضاء على كل مظاهر الخرق اليومي لقانون الطرقات، مع ضرورة تحمل أعوان الأمن مسؤوليتهم كاملة في ذلك ومراقبة عملهم في هذا المجال. كما باتت بلادنا اليوم محتاجة أكثر من أي وقت مضى لسن قانون خاص يردع كل إخلال بعملية إلقاء الفضلات مع ضرورة تطوير العمل البلدي في هذا المجال عبر تكثيف الحاويات في الشوارع وتكثيف أعوان التنظيف وتجهيزات العمل. وبالنسبة لمظاهر الفوضى التي يتسبب فيها أصحاب المحلات والمقاهي على الارصفة، فإن الحلول بدورها متوفرة ويكفي في هذا المجال تطبيق القانون على كل من يرتكب مخالفة من هذا النوع، وهو ما ينطبق أيضا على كل من يُخل بالسلوك العام في الشارع ويتفوه مثلا بكلام بذيء أو يرتكب أية مخالفة أخرى مماثلة .