وذهب كلّ فريق إلى تقديم حججه ورؤيته للموضوع إلى حين موعد جلسة مساءلة الحكومة التي جرت مساء أمس الأول بالمجلس الوطني التأسيسي، والتي أكّد خلالها رئيس الحكومة حمادي الجبالي أنّ بقاء المحمودي في تونس يمثل خطرا على أمنها لذلك تمّ التسليم، في حين تمسّك معارضو القرار بمطالبتهم بتوضيحات مقنعة وبأن تكون الحكومة أكثر شفافية ومصارحة للاعتذار عن هذا الخطإ والاعتراف بأنّ صفقة ما تم إبرامها مع السلطات الليبية مقابل التسليم، كما ذهب هؤلاء إلى حدّ القول إن المحمودي يتعرّض للتعذيب وربما يكون قد قُتل وإنّ تونس ستتحمّل تبعات ذلك مؤكّدين أنه لا وجود لأية ضمانات بأن القضاء مستقل والمحاكمة ستكون عادلة والمعاملة ستكون إنسانية لرئيس الوزراء الليبي السابق. ويبدو أنّ الحكومة التي لم تقنع الكثيرين بالمبررات والمسوغات التي قدمتها للبرهنة على صواب القرار الذي اتخذته قد لجأت أيضا إلى دعم موقفها بتوظيف تسجيل مصوّر وحصري بثته قناة الزيتونة مساء أمس الأول في الوقت الذي كان الجبالي يستمع إلى تدخلات النواب ومجادلتهم له ومطالبتهم بالتوضيحات اللازمة لقرار التسليم. والمعلوم أنّ قناة الزيتونة التي بدأت بثها التجريبي قبل أسابيع هي على ملك نجل وزير التعليم العالي الدكتور المنصف بن سالم، ولا يُستبعد أن تكون القناة قد اختارت التوقيت بعناية وإلّا كيف نفسّر هذا التزامن بين بث الحوار الحصري مع المحمودي وجلسة مساءلة الحكومة في المجلس التأسيسي؟
وقد أكد البغدادي المحمودي في أول ظهور تلفزيوني على قناة الزيتونة بعد تسليمه إلى السلطات الليبية أن حالته الصحية جيدة, مطمئنا بذلك الشعب التونسي والشعب الليبي على حد السواء، مضيفا أنّ «ما يشاع حول تدهور صحتي ومقتلي كذب وبهتان».
وقال المحمودي إنه قد لقي كل الاحترام من أهله في ليبيا منذ وصوله إلى التراب الليبي مؤكدا أن تصريحاته كانت نابعة عن إرادته الذاتية لرفع اللبس عن كل ما يشاع حوله.
وأكد البغدادي أن التحقيقات جارية معه حول ما نسب إليه من تهم بكل احترام وشفافية، مضيفا «أبارك نجاح الثورة الليبية وأنا مواطن ليبي لدينا حقوق وعلينا واجبات». وفي علاقة بظروف إقامته في ليبيا قال المحمودي إنّ « ظروف إقامتي ممتازة وأنا ألقى الرعاية والعناية اللازمة» مضيفا أنّ «الخدمات الصحية أكثر من ممتازة والقائمين على إقامتي يطلبون مني إرشادهم إلى مكان عائلتي كي يصطحبوهم لزيارتي».
وتابع المحمودي قوله «أنا جالس في جناح وليس في سجن ولي جميع الحقوق بما فيها اختيار هيئة الدفاع التي تحضر معي التحقيقات» مضيفا «أمارس حياتي الطبيعية بكل حرية وليست هناك قيود على رغباتي وطلباتي».
وأكد البغدادي أنه مؤمن بوجود قضاء عادل ونزيه داخل ليبيا وقادر على إظهار الحقيقة وإعطاء كل ذي حق حقه، داعيا الشعب الليبي إلى وضع اليد في اليد والمصالحة من أجل المضي قدما بالثورة الليبية.
وقال البغدادي إنه لا يشك في السلطة القائمة بتونس وفي قدرتها على المضي قدما بالثورة التونسية، مشيرا إلى أنه لقي الاحترام والتقدير خلال إقامته في تونس من قبل الجميع ومؤكدا أن ليبيا تشهد تجربة ديمقراطية فريدة تسعى إلى تركيز دولة علوية القانون والمؤسسات.
ولا شكّ انّ مثل هذه التصريحات التي أكّد الرجل أنها نابعة عنه عن طيب خاطر ستخفّف كثيرا من الضغط المسلّط على الحكومة منذ أسبوع وسترفع اللبس الذي كان يحوم حول الحالة الصحية للبغدادي المحمودي ويكذّب على الأقل نبأ وفاته بعد ساعات من تسليمه إلى السلطات الليبية وما خلّفه ذلك من قلق لدى التونسيين المقيمين هناك ومن تخمينات بالانتقام ووخز الضمير الذي قد يصيب الحكومة التونسية إن مات الرجل بعد تسليمه.