صحيح أن التونسي كان يشتكي من ارتفاع في أسعار العقارات سواء للكراء أو للشراء قبل الثورة وبعدها لكن صيحاته هذه الأيام قد ارتفعت مع ارتفاع غير مسبوق لأسعار السّكن.. ارتفاعا وصفه البعض ب«الكاوي» و«الحارق» وغير المعقول. «الشروق» حاولت رصد الأسعار ومعرفة آراء المواطنين.. والحل للخروج من هذه الأزمة الخانقة حسب منظمة الدفاع عن المستهلك والمختصين. بداية الجولة كانت من خلال تصفّح صفحات الاعلانات ومعرفة بورصة أسعار الكراء والشراء. البداية كانت من خلال ملاحظة أسعار بعض الأحياء الشعبية و«المحترمة» نوعا ما.
أسعار الكراء بالشهر كانت تقدّر ب200 دينار وصولا الي 300 دينار لكراء منزل محترم أو شقة واسعة.. لكن الأسعار هذه الأيام أصبحت لا تقلّ عن ال400 دينار لمنزل بغرفة جلوس وقاعة أوقاعتين أو ثلاث قاعات.
أما أسعار الكراء في ما يسمّى بالمنازه والمنارات والأحياء الراقية فهي لا تقل عن ال600 دينار لشقة مكونة من غرفة جلوس وقاعة أو قاعتين كأقصى تصدير. ويصل كراء الشقة الواحدة الى المليونين أو أكثر!
تطوّر الأسعار لم يقابله تطور في أجرة التونسي بنفس القيمة وهو ما يطرح أكثر من سؤال. جولتنا بين عدد من التونسيين بيّنت حيرة شاملة وشعورا بالارهاق والتعب من تصاعد أسهم الكراء وعدم ملاءمتها مع الأجرة الشهرية أو المدخول.. فهي تقضي على نصف المدخول أو أكثر.
يقول رامي الوندي (موظف) إنه لاحظ ارتفاع أسعار الكراء لا سيما خلال الفترة الأخيرة وإنه يتوقع في كل لحظة زيارة من «الملاك» كي يطالبه بتسديد معلوم إضافي للكراء.
وقال «أسعار كراء الشقق والمنازل ارتفعت.. وأصبح العثور على منزل أمرا صعبا». ورامي شاب أعزب يقتسم منزلا مع آخرين ورغم ذلك فإن قيمة الكراء تقتطع ربع مدخوله. ويعتبر رامي أن الموظف العادي لم يعد قادرا على الزواج وتحمل نفقات شقة مكتراة بمفرده.
ولاحظ أن أزمة الكراء قد انطلقت بدخول مجموعة من اللاجئين من ليبيا الى تونس، لكنها تواصلت بعد ذلك وازدادت عمقا. أما الصادق الجندوبي (متقاعد) فتحدث عن ملاحظته من خلال الأصدقاء والأقارب معاناة التونسي بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار الكراء حيث تضاعفت الأسعار، كما ارتفعت أسعار مواد البناء واشتراء الشقق والعقارات.
وقال ان الموظف أو صاحب «الشهرية» لا يتمكن من غير تسيير أمور نفسه، فهو غير قادر على كراء منزل ولا شرائه، واعتبر ان الاسعار غير متلائمة مع معدل أجور ب 600 دينار.
وأضاف أن الأغرب اليوم غير قادر على مجاراة الأسعار وتكوين أسرة واعتبر أن أزمة الأسعار تزداد حدّة مع حلول فصل الصيف. بدوره اعتبر علي (تاجر) أنه ولحسن الحظ لديه منزل ورثه من العائلة مثل سي مصطفى، لأنه أكد أن أمام جيل اليوم والأجيال القادمة معاناة الحصول على منزل أو شقة على سبيل الكراء او الشراء.
وقال إن لديه أصدقاء يكترون منازل ب 400 دينار أو 500 دينار ومنهم من أجرته 250 دينارا! واعتبر أن حياتهم مليئة بالارهاق والتعب وأن دوامة الكراء لم تمكنهم من شراء منزل وطالب السيد علي اعضاء الحكومة والمجلس التأسيسي بإيجاد حل لأزمة السكن في تونس والقيام مثلا ببناء منازل وعمارات وكرائها للمواطنين. وقال «أين مكان الزوالي» اليوم؟.. أليست الثورة ثورة كرامة؟
بعيدا عن آراء الباحثين عن «الكراء» والحاملين لهواجس الباحثين عن كراء وشراء المنازل، وجدنا السيد مصطفى (موظف) الذي هو أحد «الملاكة» حيث يقوم بكراء عدد من المنازل بالمرسى.
ويقول السيد مصطفى انه يقوم بكراء المنازل بأسعار مرتفعة ولم ينف محدثنا أن أسعار الكراء قد ارتفعت خلال الأيام الماضية وفسّر ذلك بوجود ظاهرة النزوح وارتفاع الطلب على المنازل بالعاصمة اضافة الى اقبال المتساكنين على المناطق الساحلية
. ورغم أن القانون يحدد معدّل الزيادة السنوية ب 5٪ فإن الزيادة أكثر بكثير. مواطنون آخرون اعتبروا أن على الحكومة أن تعمل على وضع قوانين تحدّ من تجاوزات الملاكة وزيادتهم العشوائية في الاسعار، وأن عليها وضع برامج لخلق مساكن اجتماعية تتلاءم والقدرة الشرائية للمواطن.
وحسب مصادر من منظمة الدفاع عن المستهلك يعتبر ملف السكن من أبرز الملفات التي على الحكومة تناولها بصفة مستعجلة. وتطالب مصادرنا بوضع قانون يحدد كيفية وضع اسعار الكراء كي تتم عملية حماية المستهلك من السماسرة.
كما لاحظت مصادرنا أن معدلات أسعار كراء العقارات أو شرائها بعيدة عن القدرة الشرائية ومعدلات أجور معظم التونسيين وأن الأزمة تزداد عمقا مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من المواد.
مواطنون آخرون تخوّفوا من أن عملية فتح الحدود أمام المغاربيين ستزيد من أزمة التونسي مع العقارات وستجعله يزداد «اختناقا» و«احتراقا» بأسعار تلتهم اكثر من نصف أجرته ليدخل في دوامة كراء أبدية دون الحصول على استقرار مع «قبر العمر».