الشيخ تيسير التميمي، قاضي قضاة فلسطين هو أحد أقرب المقرّبين للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات... وهو أيضا من قام بتغسيله وأوّل من خرج على التلفزيون ليؤكّد أن «أبو عمار» مات مسموما... «الشروق» اتصلت بالشيخ تيسير التميمي لمتابعة هذه القضية التي عادت بقوّة الى واجهة الاحداث هذه الايام... وفي ما يلي هذا الحديث...
كنت أوّل من رجّح فرضية تسميم الزعيم الراحل ياسر عرفات... وها أن هذه الفرضية تعود بقوّة الى الواجهة اليوم بعد سنوات... فكيف تعلّق على ما أورده تحقيق صحفي بهذا الخصوص مؤخرا؟
نعم، أنا منذ البداية قلت إن الرئيس الراحل قتل بالسم وحتى قبل أن أغادر باريس ليلة القدر، أي قبل ليلة واحدة من وفاة أبو عمار... وأذكر أنني حين زرته وقتها كان في غيبوبة وكان هناك دم ينزف من كامل جسمه وكان هناك تضخّم في رأسه نتيجة النزيف الذي كان ينزل من أوردته وشرايينه... وبعد موته بساعات قليلة قمنا بتغسيله وبقي الدم ينزف حتى اضطررت لطلب شريط طبي لاصق لكي أضعه على المكان الذي يخرج منه.
لكن كيف أمكن لك سماحة الشيخ معرفة أن مثل هذا النزيف سببه التسميم... فهذه قضية طبية أساسا؟ لقد لاحظت على جثمان عرفات بقعا غريبة حمراء وأخرى زرقاء في أماكن مختلفة من جسده خاصة في ذراعيه وساقيه... ثم إنه كان يرافقني طبيب كان يتكلم اللغة العربية فسألته عن أسباب النزيف فقال لي إن هذا التميّع في الدم سببه ان هناك بعض أنواع السموم تسببت في فقدان خاصية تجلّط الدم... ولهذا أنا خرجت وقلت إن «أبو عمار» مات مسموما... وهذه كانت جريمة مدبّرة من شارون والصهاينة.
كنت مقربا من الزعيم الراحل «أبو عمار» حتى وفاته... كيف تروي لنا سماحة الشيخ الساعات الاخيرة في حياته؟
في اليوم العاشر من رمضان وقبل استشهاد «أبو عمار» ب 15 يوما كنت معه نتناول طعام الافطار فطلب مني الطاقم الطبي التونسي الذي حضر لعلاج «أبو عمار» بأن أقنعه بالافطار في رمضان بما أنه يعاني من مرض خطير يؤدّي الى تكسّر صفائح الدم ولا يبقي شيئا في معدته... لكنه رفض وقال لي لا يمكن ذلك فأنا وبعد ان وصلت سن 74 عاما... لا يمكنني ان أفطر... وأفطرنا معا، مع آذان المغرب... لكنه كان في حالة إعياء وهزال شديدين.
قلت في سياق حديثك إنها جريمة مدبّرة... كيف...ومن دبّرها برأيك؟
نعم هي جريمة مدبّرة فعلا كما قلت... وأعتقد ان محاولات التخلص من «أبو عمار» قد انطلقت فعليا منذ أن فشلت مفاوضات كامب ديفيد... إذ لما رفض أبو عمار التوقيع حينها قال له بيل كلينتون بأنه ستحدث تغييرات دراماتيكية في المنطقة وأنت ستكون أحد عناصر هذا التغيير فردّ أبو عمار على بيل كلينتون قائلا: «أنا أدعوك منذ الآن لحضور جنازتي».. وهنا أذكر ان «أبو عمار» قال لي في لقاءاتي به «إنهم يريدون قتلي». لكنه كان يتمنى الشهادة وكان يشعر بالمؤامرة التي تدبّر له..
مثل هذه المؤامرة التي تشير اليها هنا، هل كانت لها في تصوّرك، أياد داخلية وأدوات فلسطينية، كما تذهب الى ذلك بعض الفرضيات والافتراضات؟
أنا لا أريد أن اتهم أحدا دون دليل... لكن المؤكد ان الاحتلال الاسرائيلي وأمريكا وتحديدا شارون وبوش الابن هما من دبّرا هذه الجريمة وقررا التخلص من «أبو عمار» لأن بقاءه حيّا كان يزعجهما ويمثّل تهديدا وعقبة أمام تمرير المشاريع التهويدية الاستيطانية والاستعمارية في فلسطين وخارجها... هما بالتالي أرادا بتسميمه وقتله، لا فقط إنهاء وتصفية جسده بل تصفية قضية فلسطين والقدس..
لغز وفاة عرفات وتحديدا فرضية تسميمه طفت على السطح، كما قلت منذ 8 سنوات، لكن ما هي برأيك دواعي مثل هذا التأخير والتقصير في فتح تحقيق حول هذه القضية، الى حد الآن؟
بلا شك، تأخير التحقيق فيه تقصير كبير... والتحقيق بات اليوم مطلوبا القيام به والاستمرار فيه من خلال تشكيل لجنة دولية ترفع هذه القضية الى المحكمة الدولية وذلك حتى تحديد ماهية السم الذي تم به تسميم الزعيم الراحل وأيضا معرفة الطريقة التي وصل بها السم الى «أبو عمار». هناك مطالب فلسطينية باخراج رفات عرفات... الى أي مدى تجوز شرعا هذه العملية سماحة الشيخ؟ من ناحية شرعية أعتبر ان إعادة فحص جثمان عرفات أمر جائز فمادام ذلك يساعد على استبيان وكشف الحقيقة فلا بأس..