مازالت حادثة احتجاج الجمهور على أعضاء الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي خلال حفل مارسيل خليفة في قرطاج يوم السبت الماضي، مثار حديث وتندّر الشارع التونسي، خصوصا بعد تناقل الحادثة والتركيز عليها في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت، حتى أن بعضها وصفها ب «الفضيحة». ولم يكن الاحتجاج في الحقيقة على حضور أعضاء الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي حفل مارسيل خليفة أو مهرجان قرطاج، وانما على أداء المجلس والحكومة وسلوك الاعضاء بالخصوص الذين حضروا حفل مارسيل خليفة ومن قبله حفل افتتاح المهرجان، إذ يذكر المشهد الذي ظهروا فيه خلال الحفلين بما كانت تقوم به العائلة الحاكمة في قرطاج أيام حكم النظام السابق.
الطرابلسية الجدد
وفي حفل افتتاح المهرجان استحوذ أعضاء الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي على المقاعد والصفوف الامامية للمسرح،في محاولة للظهور في مظهر المسؤولين و«النخبة» التي ترفض الجلوس مع العامة و«الرعاع»، كما كان يجري في الماضي قبل سقوط النظام السابق، لما كانت العائلة الحاكمة تحتل نفس المقاعد أو الصفوف. وكتبت بعض الصحف في وصف مشهد أعضاء الحكومة والمجلس ب «عودة الطرابلسية» أو «الطرابلسية الجدد» في اشارة الى العائلة السابقة في الحكم التي كانت تحتل ذات المقاعد أو الصفوف. وإذا كان هذا المشهد قد مر بسلام، رغم ما فيه من استفزاز، فإن المشهد الموالي الذي تكرّر في حفل مارسيل خليفة، كان جاهزا منذ الأول، وحتى قبل حدوثه، لاثارة ردّة فعل غير منتظرة من قبل الجمهور.
إزدراء
وبمجرد دخول السادة الاعضاء في الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي الى مسرح قرطاج لحضور حفل مارسيل خليفة، كان الجمهور في انتظارهم رافعا الأعلام التونسية والسورية والفلسطينية.
ولم يتردد في رفع الشعارات السياسية ك «شعب تونس شعب حرّ، لا أمريكا ولا قطر» و«لا خوف،لا رعب، السلطة بيد الشعب» وهي نفس الشعارات التي رفعها المتظاهرون في المسيرات الأخيرة، التي انتظمت في شارع بورقيبة بالعاصمة، بمناسبة عيدي الاستقلال والشغل. وحتى النشيد الرسمي التونسي الذي استقبل به الجمهور أعضاء الحكومة والمجلس التأسيسي عند دخولهم الى المسرح كان من باب السخرية والازدراء وليس من باب الترحيب إذ سارع الجمهور منذ البداية الى الاستحواذ على المقاعد المخصصة لاعضاء الحكومة والمجلس التأسيسي.
فاشلون في الصفوف الأمامية !
وكانت ثورة الجمهور على أعضاء الحكومة والمجلس التأسيسي، بسبب الأداء السيّئ وغير المقنع للحكومة والمجلس، إضافة الى السلوك المستفز للأعضاء بجلوسهم في الصفوف أو المقاعد الأمامية للمسرح، فهم في نظر الجمهور فاشلون ومع ذلك يكافؤون بالمقاعد الأمامية.. قبالة الفان مارسيل خليفة، الذي يعتبره الجمهور فنانه الخاص، وليس فنان السلطة، مهما كان أداؤها. أضف الى ذلك، المشهد الاستفزازي الذي وضع فيه أعضاء الحكومة والمجلس أنفسهم، بتقدّمهم للجمهور وجلوسهم في الصفوف الأمامية، وهو مشهد يذكر بعائلة قرطاج السابقة التي كانت تحتل نفس الصفوف متحدية عامة الجمهور الضعيف والمهمش وقتها.
ما بالطبع لا يتغيّر
ويرى الجمهور في هذا المشهد كلما تكرّر، استفزازا له وتحديا لشخصه، إذ يشعر أن لا شيء تغيّر فالعائلة الحاكمة هي نفسها، وسلوك الحاكم هو ذاته، يدخل الى المسرح مجانا بلا حجز ولا تذكرة، ويجلس في المقاعد الأمامية، ويعامل معاملة خاصة، في حين أن الحاكم أو المسؤول في الدول الديمقراطية المتقدمة، يعامل مثله مثل المواطن العادي بالضبط. يحجز مقعده في كل حفل فني، يقطع تذكرته، ويجلس مثله مثل المواطن العادي في المقعد الذي يحجزه، أو يوافق سعر التذكرة التي قطعها، سواء في الصفوف الأمامية، أو الوسطى أو الخلفية، ولكن مثلما يقول المثل الشعبي «اسأل على صاحبك استغناش، أما الطبيعة هي هي» و«ما بالطبع لا يتغيّر».