»دروب التربية« او دعوة للتأمل في دروب المستقبل قد يعجز الواحد منا في تحليله او قراءته لأي نص او قصيد شعري او اثر ادبي، للوصول الى حقيقة او ماهية مقاصد صاحبه نتيجة غموض متكلف او شيء من هذا القبيل، لكن كتاب »دروب التربية« الذي اتيحت لي فرصة مطالعته لصاحبه الاستاذ الاديب محمد الحبيب براهم لم اشعر ولو للحظة برغبة في الكفّ عن دراسته ومطالعته لا لشيء سوى لأنه مليء بالأسرار.. فقد تخلّص فيه كاتبه عبر وسائل تعبيرية وابلاغية عريقة يختبئ وراءها كاتب واديب روّض لغة الضاد كما ينبغي يملك ويتحكم في كل اسرار وماهية الكتابة الادبية وطوعها بطريقة سلسة حتى تشد القارئ وتسيطر عليه الى حين التهام كافة صفحات الأثر بكل رغبة واصرار. من الغلاف الذي احتوى على لوحة فنية ينصح جليا العناية والذكاء الخالص من صاحب الأثر في اختيارها حتى تكون مرآة عاكسة لمحتوى متميز حيث كانت صفحة الغلاف تحوي لوحة تمثل الأفق الرحب في وسطه شمعة تنير قلب الظلمة، وهو ما يحيلنا مباشرة الى الأهداء »اليك أهدي... انت رسول الفكر والعلم فكن العقل والوجدان والضمير.... كن الحياة والخلود... كن دوما كما انت مناضل للأبد أيها المربي، كن المربي، كن المربي وكفى..« ومن هنا تكون البداية كما اسلفت وكذلك النهاية، فالمربي على الغلاف هو تلك الشمعة التي تحترق رويدا رويدا وفي هدوء وسكينة وتضحية، لتنير »الدروب« امام الاجيال وتبدد ظلمة الجهل والتخلف لديهم.. وكما يسلمنا الغلاف الى الإهداء فهو يقودنا عن طواعية الى داخل الكتاب، فمن البداية يعلمنا الكاتب ان هذا الأثر هو »خواطر وتأملات ومقالات كتبتها في نهاية الثمانينات... واخترت فيها انطباعات ذاتية عن التربية والتعليم« واذا عدنا لفترة الكتابة زمنيا سنستخلص بالتأكيد اهداف المؤلف ودوافعه في تدوين اثره وهي ببساطة سعيه وحنينه للمساهمة من موقعه كمثقف ملتزم في طرح افكار وتصورات في اطار منظومة وطنية تعطي لهذا المثقف دور فاعل في نحت مستقبل البلاد... المقالات.. الحوارات حسب العناصر المفاتيح التي تزيد في اهمية وامتياز كتاب »دروب التربية« الصياغة السهلة حينا والاساليب البلاغية الراقية احيانا اخرى التي اعتمدها ووظفها الكاتب في جميع نصوصه حيث تبدأ جل »المقالات« ب »حدّثني صديقي قال« و»خاطبني صديقي« و»سألت صديقي« و»نظرت الى صديقي وقلت« وهذا اسلوب ادبي قديم منبع في عيون الادب العربي، احياه بتألق الكاتب الاستاذ محمد الحبيب براهم ويعتمد على الحوار والمناقشة في طرح الافكار، حتى وإن كان المتحدث والمناقش واحد، وهو اسلوب حميمي صادق ينفذ للقلب مباشرة ويشد اليه القارئ بذكاء لانه سيشعر عند مطالعته للأثر ان الكاتب يتحدث اليه... ليجد نفسه اي القارئ دون ان يشعر هو الصديق الذي يخاطبه المؤلف بما يجعله يتابع القراءة والمتابعة في ذلك مشدود الى روعة الاسلوب المتبع في كل المقالات التربوية والثقافية والفكرية حيث يتحول المؤلف بالقارئ في كثير من »دروب التربية« كرسالة نبيلة ومقدسة تساعده في ذلك سعة اطلاعه على عالم المربي الفاضل وهو المربي في الأصل حتى وان اخذته السياسة الى حين. الصديق... والمربي وعندما نكمل قراءة الكتاب طواعية او ملزمين تجاه اديب يحترم كل محب للكلمة والكتاب، يخرج الواحد منا بأشياء جميلة لعل اهمها نجاح المؤلف في السيطرة على عقولنا واسرنا في عالمه... عالم المربي... وثانيا الخروج بمجموعة من الافكار البنّاءة في ميادين الفكر والثقافة والتربية وفق نظرة استشرافية ثاقبة للمؤلف وهي افكار وتصورات يفرج عنا من خلالها الكاتب باسلوب ذكي ونادر ويرفع عنا بذلك فترة الأسر، لنكتشف الصديق الذي يتحدث الى الكاتب حينا ويحدث اليه هو ايضا احيانا اخرى الا وهو المربي الذي كان في الإهداء وفي »رسالة الى مرب او الخاتمة الفاتحة« هذه الرسالة التي جاءت قصيرة الكلمات لكنها معبّرة جدا فالمربي الكاتب لا يحتاج الى رسالة لان رسالته هي التربية وكنشأة الاجيال... ففاتحة الكتاب هي في نفسه الآن، مسك الختام، وهي التحية والمصافحة.. والرسالة... وهنا نرى ان المربي هو المقصود وهو الصديق الموجه اليه الكلام، ولو ان الكتاب يهم جميع شرائح المجتمع، ليتعمق الفكر وينمو بالمعرفة... التي هي مصدر الهام وجود الكاتب.. ومستقبله.. في كلمة »دروب التربية« اثر انيق يستحق المتابعة والتنويه.