العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    من صفاقس إلى منوبة: تفاصيل صادمة عن مواد غذائية ملوّثة تم حجزها    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    "اللص النائم".. أغرب ضيف ينتظر سيدة في منزلها    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستاذ جامعي ينتحل كتابا بكامله!
فرج شوشان يكشف:
نشر في الصباح يوم 25 - 10 - 2007


«الموسيقى العربية بالأندلس» من هو مؤلفه الحقيقي؟
تردّدتُ كثيرا قبل الاقدام على نشر هذا المقال والكشف عن هذه الفضيحة. فاتهام شخص بالسطو على نصوص الآخرين وانتحالها ونسبتها لنفسه ليس بالامر الهيّن، خاصة ان صاحبنا ينتمي الى الصحافة والى الجامعة التونسية.
لهذا اردت ان يخلو المقال من كل تعسف او تسرّع في الحكم.. ذلك أني لا ابحث عن خصومة زائفة ولا أريد ان أتجنى على أحد. ولم يقدني هوى في النفس ولا دفعتني الى الكتابة مشاحنة او بغضاء فلست اعرف المنتحل معرفة شخصية لا من قريب ولا من بعيد.
صحيح انه كان عليّ ان اكتب في مشاكل وقضايا مسكوت عنها واكثر اهمية من السطو على كتاب.. وان في مشاغل الناس ما هو اولى بالعناية واحق بالاهتمام..
لكن صحيحا ايضا ان تفشي اللصوصية والسرقة بانواعها واشكالها في كافة مجالات الحياة اليومية في العصر الحديث سبب كاف لقطع الصمت الذي اصبح يعني تواطؤا ينزع عنا انسانيتنا ويسقط كل القيم التنويرية والمعايير الحضارية ويرضخ العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بين البشر لشرعة الغاب وللهمجية والاغتصاب: «حوت ياكل حوت...»!
انتمي الى جيل درج على حب الكتاب. فقد قضيت جانبا من حياتي في مطالعة الكتب والتعريف بها للناس.. وليس من طبعي ان اتعسف على الكتاب، خصوصا في هذه الظروف التي تتطلب بذل جهود فرديج وجماعية استثنائية ليتبوأ الكتاب مكانته كأداة للابداع والمعرفة والتغيير.
احتجت يوما الى الرجوع الى بعض المصادر والمراجع التي تتصل بحضارة الاندلس للتدقيق في بعض المسائل.. فطالعت عشرات الكتب والمجلات من بينها كتاب بعنوان: «الموسيقى العربية بالاندلس اشكالها، تأثيراتها في اوروبا» تأليف محمد الكحلاوي، وهو صادر سنة 1998 بتونس عن منشورات محمد بوذينة، الحمامات (9.139.26 - ISBN 9973). ويقع في 117 ص من حجم 21×15 سم.
تبادر الى ذهني اثناء مطالعة كتاب الكحلاوي ان ما يحويه من افكار ومعلومات سبق ان قرأته في مرجع آخر.. ولم يخطر لي اول الامر اني امام حالة سرقة.. فأنا ممن لا يقولون بالجدة المطلقة في الكتابة.. متأثرا في ذلك بالنقد العربي القديم وخصوصا بالنقد الحديث.. ألم يقل القاضي الجرجاني (القرن العاشر م) في كتابه «الوساطة بين المتنبي وخصومه: «احظر على نفسي ولا أرى لغيري بت الحكم على شاعر بالسرقة» (ص 215).
وواصلت قراءة كتاب الكحلاوي.. فأخذت السرقة تتمثل في الذهن وتتأكد..
قلت: لعل هذا الاخذ هو من باب توارد الخواطر او من باب المعاني المشتركة.. فالمعنى الواحد جائز ان يتناوله اكثر من كاتب ولا عيب في ذلك.. فهذا ابو حيان التوحيدي (القرن العاشر .م) يؤكد في «البصائر والذخائر»: «ان الخواطر تتلاقى وتتواصل كثيرا والعبارة تتشابه دائما..» (ص 312).
لعل هذا الاخذ لا يعدو ان يكون من باب الاقتباس، اقتباس المعنى دون اللفظ.. واعادة صياغته.. او لعل الامر كما اشار ابن رشيق (القرن الحادي عشر ميلادي) في كتابه «العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده» «والمعاني ابدا تتردد وتتولد والكلام يفتح بعضه بعضا» (ج 2.ص 218). واوغلت في التذكر.. فاستحضرت ما في الذاكرة من معان مماثلة او الفاظ شبيهة لما كنت أقرأ.. الا ان الذاكرة لم تعد حاظفة.. وواصلت الابحار في مفاهيم النقد.. من ذلك نظرية التناصّ intertextualitè وهي نظرية شائعة منذ الستينات والتناص يدل على جملة العلاقات الموجودة بين نص وآخر او بينه وبين نصوص اخرى سابقة او لاحقة يقارب بينها القارئ او الناقد..
وتنطلق نظرية التناص من فكرة الناقد الروسي «باختين» (1895-1975): «كل نص يقع على خط تماس مجموعة من النصوص الاخرى وهو في آن واحد اعادة قراءة وتوضيح وتلخيص.. وتعميق..» (نقلا عن قاموس الاجناس والمفاهيم الادبية.. باريس ص 372). وازدحمت افكار النقاد في ذهني وأنا اتذكر واتذكر. وفجأة مادلين بروست!! قطعة الحلوى التي استرجع الكاتب الفرنسي بروست (1871-1922) من خلال طعمها ذكريات طفولته.. بعض الأخطاء المطبعية كانت بمثابة حلوى المادلين.. اعادت الى ذهني النص الاصلي الذي اخذ منه الكحلاوي.
عدت الى مجلة «عالم الفكر» الكويتية.. الى عدد مخصص لحضارة الاندلس (العدد الاول المجلد الثاني عشر، ابريل مايو يونيو 1981).
وفي العدد بحث مطول (من ص 11 الى ص 74، حجم 5،28 × 22 سم). بعنوان «أثر الاندلس على أوروبا في مجال النغم والايقاع».
وصاحب البحث هو الاستاذ عباس الجراري، كرسي الادب المغربي بكلية الاداب، جامعة محمد الخامس، الرباط، وهو اليوم احد المستشارين بالديوان الملكي المغربي.. تبين بعد المقارنة والتدقيق انه باستثناء التقديم الذي كتبه المرحوم عبد الحميد بلعلجية، وباستثناء بعض الفقرات في الفصل الاول فان كتاب محمد الكحلاوي مأخوذ بحذافيره عن بحث الاستاذ عباس الجراري.
وهكذا سقطت كل الجوازات التي ذكرها النقاد القدامى والمحدثين.. خصوصا في باب اقتباس المعنى دون اللفظ او في باب الاستشهاد. فمن الممارسات الادبية الاستشهاد باقوال الآخرين ونصوصهم وهي ممارسة تساعد على تداول الافكار والمعلومات بين الاجيال والاقطار والثقافات.. وهي علامة على سعة الاطلاع وعلى ثقافة الكاتب الواسعة لكن الاستشهاد له قواعده وشروطه وحدوده ضبطها النقد واتفق في شانها النقاد في كل العصور.. من ذلك انه لا بد من الاشارة الى مصدر الشواهد ولا بد من استعمال علامات التنصيص. على أن لا تكون الشواهد اطول من النص نفسه.. وان تقتصر على مقتطفات قصيرة لا تقوم مقام المؤلف الاصلي. فالكحلاوي لا يستخدم في كتابه علامات التنصيص لابراز ما اخذ من بحث الاستاذ عباش الجراري، فهو لا يستعمل الهلالين ولا القوسين ولا الظفرين ولا المزودجين ولا المعقوفين ولا أية علامة تنصيص في كامل نصه ما عدا في فقرة واحدة او في مجال الاشارة الى الشواهد التي وردت في النص الاصلي. وهذه من علامات الانتحال وهو الاخذ الحرفي المخفي وغير المصرّح به وغير المشار اليه بعلامات واضحة. ألخص ما قاله النقاد العرب في شرح تأليفي لمعنى الانتحال «ان يأخذ الكاتب الفاظ غيره وينسبها الى نفسه على غير سبيل المثل والاستشهاد ومن غير تغيير لتركيبه.. والانتحال سطو يقوم به منتحل على مؤلفات الآخرين وانتاجهم وينسبها الى نفسه..»
وهكذا نتبين بعد الدرس والمقارنة ان محمد الكحلاوي اخذ البحث الذي نشره الاستاذ عباس الجراري ونشره باسمه في كتاب.. اخذ النص بكامله (ما عدا بعض الفقرات)، بلفظه ومعناه، بموضوعه واسلوبه، بتراكيبه وعناوينه، بترتيب فقراته، بأخطائه المطبعية التي اضاف اليها اخطاء اخرى، خصوصا عند نقل اسماء الاعلام والمدن المكتوبة بالحروف اللانينية، وامتد الاخذ الى الهوامش فنقلها الكحلاوي بحذافيرها مع بعض الخلط والتشويش احيانا في ترتيبها ونسبتها (ص 40 مثلا) واضاف هامشين لا علاقة لهما بالنص: فهو يذكر كتاب صالح المهدي وكتابا آخر لمحمد بوذينة.
ونصل احيانا عند التثبت في بعض الهوامش الى مواقف سوريالة: مثلا يشير الاستاذ عباس الجراري في الهامش 152 (مجلة عالم الفكر ص 59) الى «الباحث التونسي صديقنا الدكتور جلول عزونة...» هذا الهامش نقله الكحلاوي بحذافيره.. فسطا حتى على اصدقاء الاستاذ عباس الجراري ونسبهم الى نفسه!! (انظر الكحلاوي ص 92)..
والعجب العُجاب ان الكحلاوي ينسب كتب عباس الجراري الى نفسه (انظر الهامش رقم 102 مثلا في كتاب الكحلاوي ص 64). يذكر الهامش، وهو منقول حرفيا عن بحث عباس الجراري (عالم الفكر ص 41): «انظر الموضوعات المتعلقة بالمرابطين في الجزء الأول من كتابنا (!!): الادب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه (دار المعارف. الرباط)».. وهكذا نسب الكحلاوي كتاب عباس الجراري الى نفسه!! فبعد ان سطا على بحثه اغار على بقية مؤلفاته!!
ويبدو ان المنتحل حذف هامشا طويلا ومفيدا عن موقف الاسلام من الموسيقى والغناء (ص 13 في الاصل). وهو من باب ممارسة الرقابة على النص الاصلي.. والغريب ان الكحلاوي من خلال نقل الهوامش يظهر بعض النقائص. فيبدو انه لا يحسن قراءة الارقام الهندية المستعملة في المشرق العربي، فهو يخطئ في نقلها الى الارقام العربية المستعملة عالميا وبالخصوص رقم 7 و8!! وهكذا يكتب 1978 عوض 1987.. (انظر هوامش ص 74، 75، 78، 90، 92، 96، 97، 98 في كتاب الكحلاوي)..
اما البيبلوغرافيا، فقد نقل الكحلاوي قائمة المصادر والمراجع التي أوردها الاستاذ عباس الجراري واضاف اليها عنوان كتاب لصالح المهدي وآخرين لمحمد بوذينة!
ومن عادة الآخذ المنتحل ان يعمد الى اخفاء اخذه بطرق ملتوية والى تضليل القارئ والتمويه عليه.. فهو يوهمك انه صاحب النص وانه المبتكر لافكاره باستعمال بعض الحيل. من ذلك انه لم يستعمل الهلالين او اية علامة اخرى للتنصيص الا في الفقرة الاخيرة قبل الخاتم (ص 104) التي نسبها الى مصدرها الصحيح في الهامش (عدد 171)!!
والغريب ايضا ان قائمة المصادر والمراجع تتضمن اشارة الى عدد مجلة «عالم الفكر المجلد الثالث عشر الذي لا يحتوي على أية دراسة تتصل بموضوع الكتاب، بينما نص البحث الاصلي الذي انتحله منشور في المجلد الثاني عشر، لا الثالث عشر! (انظر كتاب الكحلاوي ص 115).
لقد قامت الادلة وتظافرت القرائن بما فيه الكفاية لثبوت السرقة! بمفهوم النقد اولا ثم بمفهوم تشريعات حقوق المؤلف..
ورد في كتاب العمدة لابن رشيق (القرن الحادي عشر): «من اخذ معنى بلفظه كما هو كان سارقا» (ج2 ص 281).
وذكر النقاد القدامى انواع السرقة في تسعة عشر بابا تناقلوها وتصرفوا في معانيها.. وحسم الامر حازم القرطاجني (القرن الثالث عشر ميلادي) في كتاب منهاج البلغاء: «السرقة كلها معيبة، وان كان بعضها اشد قبحا من بعض» (ص 196).. ومفاهيم السرقة والانتحال مبينة في التشريعات المعاصرة لحقوق المؤلف، تلك الحقوق التي يعتبرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان (1948) «حقا اساسيا من حقوق الانسان».. وتتفق معظم التشريعات المعاصرة على ان «الانتحال هو ادعاء شخص ما (غير المؤلف) زورا انه مؤلف ذلك المصنف». و«طبع اثر يملك حق نشره مؤلف ما من غير اذن مؤلفه».. والانتحال هو اشنع صور الاعتداء وهو «نقل كتابات شخص آخر ونسبتها لشخص الناقل» (انظر كلود لولومبيه. المبادئ الاساسية لحق المؤلف.. اليونسكو والألكسو 1995. ص 62)..
ويشير القانون التونسي عدد 36 لسنة 1994 المؤرخ في 24 فيفري 1994 والمتعلق بالملكية الادبية والفنية، الى أنه «لا حق لاحد ان يعرض على العموم مصنفا منقولا عن الغير في صيغة او في ظروف تهضم فيها الحقوق الادبية والمادية للمؤلف..» (الفصل الثامن).
وتعتبر اغلب التشريعات في العالم، الاعتداء على حقوق المؤلف جريمة جنائية يعاقب عليها «بالغرامة والحبس».. فالقانون الفرنسي يعتبر الاعتداء تزويرا وتدليسا ويعاقب مرتكبها بعقوبات صارمة من ذلك السجن مدة ثلاثة اشهر و300 الف اورو خطية. وفي القانون التونسي عقوبات تكميلية يشير اليها الفصل 55 من قانون الملكية الادبية والفنية المذكور: «يمكن للمحكمة ذات النظر ان تأذن من تلقاء نفسها او بطلب من المؤلف او المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين بحجز أو بمصادرة او باعدام النسخ او بغلق المحل الذي سجلت فيه المخالفة بصفة وقتية او نهائية..»
ولعل مواقف الدفاع عن حقوق الانسان وكذلك الوقوف ضد السرقات في المجتمعات العربية، لم تنشأ من عدم. وليست دخيلة على المثقفين العرب ولم تفرض عليهم فرضا، بل كانت من مطالبهم الاساسية وتلخص ذلك في ثلاث محطات بارزة:
أولا خير الدين التونسي (1967) حين يتحدث عن حرية المطبعة و«كمال الحرية المؤسسة على العدل وحسن نظام الجماعة، حتى يكون المحترف مثلا آمنا من اغتصاب شيء من نتائج حرفته..» (اقوم المسالك في معرفة احوال الممالك. الدار التونسية للنشر. ص 208-209).
ثانيا طه حسين في فصول عديدة في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي منها ما نشر فيما بعد في كتابه «من لغو الصيف» فهو يقول:
«نطالب بحماية الأدب من السرقة والتزوير اي مما تحمى منه ايسر السلع المادية بحكم القانون» (دار العلم للملايين ص 167).
ثالثا محمود المسعدي (1957) الذي قال امام المؤتمر الثالث للأدباء العرب بالقاهرة: «من العار ان يستمر الناهبون والسارقون على استغلال انتاج الادباء دون ان يزجرهم عن ذلك قانون بعقاب ما.. (تأصيلا لكيان ص 60).
تلك هي مواقف المثقفين المؤسسين.. وفي العالم العربي مواقف مماثلة كثيرة مهدت لصدور قوانين حديثة في بعض الاقطار العربية لحماية المؤلفين.. وهي قوانين متفاوتة في محتواها ونجاعتها.
ويساهم اليوم انتشار المطابع والحواسيب والتلفزات والانترنت وغيرها من التكنولوجيات والتجهيزات الحديثة الى ذيوع السرقات.
تعرّضت شخصيا لعمليات سطو ونهب في التلفزة اكثر من مرة.. فهذا يحذف اسئلتي ويبقي على اجوبة ضيفي، وهذا يحول برنامجا ثقافيا اعددته مع الشاعر محمود درويش الى منوعة غنائية مع الفنان مارسيل خليفة، وهذا يلغي نص تعليق اعددته لشريط وثائقي من تصوري ويعوضه بنص آخر، وهذا يستغل اعمالي التلفزية بدون اشارة الى صاحبها او رخصته.. وعموما لا تتضمن الشارة المميزة (الجنريك) عناوين المقتطفات التي تم استعمالها واسماء اصحابها.
ونجد هذه الظاهرة في الصحافة المكتوبة ايضا التي تعوّد معظمها على نشر المقالات (او القصاصات!) بدون الاشارة الى مصادرها.. وامتد الداء الى المعاهد والجامعات وكثر انتحال الرسائل الجامعية في العالم.. ويتحرى اساتذة الجامعة التونسية اكثر من الماضي في هذه المسألة..
وقد بادرت بعض الجامعات في اوروبا الى استخدام برمجيات اعدت خصيصا لها للكشف عن الرسائل والاطروحات المسروقة جزئيا او كليا.
ويبقى السؤال مطروحا: «كيف نقاوم الانتحال باكثر فعالية؟».
حاولنا في هذا المقال ان لا نحصر الموضوع في كتاب محمد الكحلاوي فتوسعنا الى جوانب نقدية وثقافية بطرق بيداغوجية لنبين ان المسألة تتجاوز فضح شخصا ما..
فصيانة حقوق المؤلف من التعدي عليها مسألة حضارية قبل كل شيء..
فالامر يخص الكتّاب انفسهم والجامعيين والصحفيين وجميع المنتجين في كافة اصناف الانتاج الادبي والفكري والفني والسمعي البصري.
والامر يخص النقاد الذين اصبحوا مسالمين ومستسلمين فما احوجهم الى «غرابيل» جريئة وتنويرية.
والامر يخص ايضا الدولة بكافة مؤسساتها وسلطاتها:
في مستوى التشريع: فقانون سنة 1994، عدد 36 المتعلق بالملكية الادبية والفنية يحتاج اليوم الى تحيين وتحسين واضافات وتوضيحات بالخصوص على ضوء تجربة المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين الميدانية وتطبيقات المحاكم العملية وتجارب المؤلفين ومطالبهم وتطور القانون الدولي.
في مستوى تنفيذ الاحكام وعدم الاكتفاء بانتظار شكوى المتضرر.
في مستوى نشر ثقافة حقوق المؤلف في المدارس والمعاهد والجامعات.
في مستوى ايجاد حلول عملية وتكنولوجية للكشف عن الرسائل الجامعية المنتحلة وتسليط عقوبات جامعية على المنتحلين.
اخيرا، ما حيلتي وما ذنبي؟ الا يؤيدني الاستاذ محمد الكحلاوي انه ما كان عليه ان يمد يده لشيء لا يملكه؟ ألم يكن من الأجدر به ان لا يأخذ بحثا منشورا برمته وينسبه الى نفسه؟..
ربما سبب اقدامه على الانتحال، ان المجتمع لم يضع امامه حدودا واضحة ورادعة بما فيه الكفاية.. او ان هياكل الاعلام والتعليم والتربية لم تبلور لديه وعيا كافيا بحقوق المؤلف.. اولعله كان يجري وراء الكسب «السهل» بكل الوسائل بما فيها وسائل الكسب غير المشروع.. او ربما قام بالانتحال استجابة لاغراءات «بعضهم».. او لعلها «غلطة شباب» لم يقدر عواقبها ولم يكن له ايام نشر الكتاب المنتحل (سنة 1998) الوعي الكافي ولا المستوى الجامعي الحالي.. ومهما كان السبب فان مستوى الاستاذ محمد الكحلاوي اليوم من شأنه ان يدفعه الى اتخاذ بادرة شجاعة وجريئة.. يحكم بها موضوعيا على ما جرى ويرتفع بها الى مقام المسؤولية ليحمي بدوره مستقبل مصداقية مصنفاته، وهو الذي ينتمي الى الصحافة والى الجامعة وله مستقبل في مجال النشر..
ولا بأس ان أستخدم في شأنه لفظة «أخذ» او «انتحال» عوض سرقة أو اختلاس أو تزوير او تدليس.. تخفيفا وتلطيفا.. وهروبا من الغيبة (ذكر الانسان بما يكره ولو بما فيه في غيابه).. وانا كاره لذلك.
ثم ماذا؟ ألا تريدون ايضا ان اعتذر لشخص منتحل ينسب لنفسه ما ليس له ويتكسب من «عرق غيره؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.