هل تمّ درس ملف السيد الشاذلي العياري قبل ترشيحه إلى منصب محافظ البنك المركزي التونسي أم أن المسألة لا تتعدى حدود سد الفراغ الذي تركه السيد مصطفى كمال النابلي. «الشروق» طرحت السؤال على عديد الخبراء والمختصين في مجالات المال والأعمال والاقتصاد وإن رفض جلهم ذكر أسمائهم وهو أمر مفهوم نظرا لحساسية الموضوع وخطورته بالنسبة للمرحلة التي تمر بها البلاد فإن أغلب الآراء أجمعت على أن السيد الشاذلي العياري كفاءة عالية من الناحية البيداغوجية والنظرية لكنه لا يحتكم على الفهم اللازم لتفكيك مختلف المنظومات المالية في سياقها الحاضر وكلمة فهم هنا تعني استيعاب جملة المقاربات التي أفرزتها الأزمات المتتالية التي مر ولا زال يمر بها الاقتصاد العالمي والتي هزّت اقتصاديات أعتى الدول الأوروبية ودفعت بخبراء الاقتصاد العالمي إلى إعادة النظر في نظرياتهم وتطبيقاتهم المالية.
لقد أفرزت الأزمة الأولى التي عاشها الاقتصاد العالمي في بداية الألفية جيلا جديدا من «الماليين» وأحالت على التقاعد الجيل القديم المعروف ببراقماتيته في تعاطيه مع المسائل المالية وميله للمجازفة.
هذا الجيل الجديد عرف بميله إلى الحذر ورفضه للمجازفة الأمر الذي مكّن الاقتصاد العالمي من تجاوز أزماته الدورية وتأجيل أزمته الهيكلية في انتظار اتضاح الرؤيا وإعادة التحكم في السياسات النقدية والمعاملات الافتراضية والسيطرة على التضخم والتقليص من الدين الخارجي والقضاء على العجز في الميزانية.
وفي علاقة بترشيح السيد الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي التونسي يرى عديد المختصين الذين تحدثت إليهم «الشروق» أن الوضعية الحالية للاقتصاد التونسي تقتضي مقاربة أخرى تختلف عن تلك التي يؤمن بها المحافظ القادم للبنك المركزي والذي ربما ستؤدي سياسته إلى مزيد من التضخم إن ابتعد عن سياسة الحذر التي اتبعها من سبقه أي السيد مصطفى كمال النابلي.
والتضخم هنا وفي شرح شعبوي يعني ببساطة انخفاضا في قيمة الدينار وهو ما يعني كذلك تدهور القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار أي أن الذي سيدفع الفاتورة هو ببساطة المواطن المستهلك.
وقد يكون أحد الأسباب التي أدّت إلى إقالة المحافظ مصطفى كمال النابلي من منصبه هو هذا الأمر أي رفضه لضخ كميات نقدية دون موجب ولا سند مالي في السوق التونسية ما كان سيؤثر على قيمة الدينار وبالتالي التأثير مباشرة في عديد المؤشرات الاقتصادية كقيمة الفائدة عند الاقتراض الداخلي والخارجي وارتفاع الأسعار سواء محليا أو عند التوريد وانخفاضا في قيمة الصادرات.
لقد تزامن التاريخ السياسي للسيد الشاذلي العياري مع مرحلة الانفتاح التي شهدها الاقتصاد التونسي في بداية سبعينات القرن الماضي بقيادة الوزير الأول المرحوم الهادي نويرة المعروف بحبه للمجازفة وميولاته البراقماتية في تعاطيه مع المسائل الاقتصادية.
فمن وزير للتخطيط سنة 1970 إلى وزير للشباب والرياضة مرورا بوزارة التربية ليتقلد مهام وزير الاقتصاد سنة 1974 كان السيد الشاذلي العياري بمثابة الجهاز التنفيذي للسياسة الليبرالية التي انتهجتها حكومة الهادي نويرة وأدت إلى أحداث 26 جانفي 1978 بعد أن عمّ الفقر وضرب الحقّ النقابي وتدهورت القدرة الشرائية بشكل أصبح فيه الأجراء عاجزين عن توفير أدنى وأبسط مستلزمات الحياة.
ورغم ذلك تم تعيينه في مجلس المستشارين سنة 2010 وتولى مناصب في البنك الدولي كمدير تنفيذي وفي البنك الإفريقي للتنمية كعضو المجلس الاستشاري إلاّ أن مروره بالبنك العربي للتنمية الاقتصادية بإفريقيا ترك المجال مفتوحا أمام عديد التساؤلات لعلّ أهمها تكبيد هذا البنك خسائر كبيرة، هناك من يقول إنها نتيجة سوء تصرّف»...
من هو السيد الشاذلي العياري؟
ولد السيد الشاذلي العياري في 21 أوت 1933 ودرس الاقتصاد في جامعة السوربون في فرنسا أين تحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية قبل أن يلتحق بشعبة القانون الخاص بنفس الجامعة عين أستاذا في الاقتصاد والقانون بجامعة تونس.
واشتغل السيد الشاذلي العياري أستاذا وعميدا لكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والتصرف بتونس بالتوازي مع منصبه كأستاذ بجامعة مرسيليا وجامعة نيس بفرنسا وهو رئيس الجمعية العالمية لعلماء الاجتماع الناطقين باللغة الفرنسية كما كان باحثا في العلاقات المالية والنقدية الدولية متعاونا مع منتدى البحوث الاقتصادية بالقاهرة. للسيد الشاذلي العياري عديد المؤلفات المترجمة إلى الفرنسية والانقليزية والألمانية.
كما تقلد السيد الشاذلي العياري عديد المناصب الوزارية من سنة 1969 إلى سنة 1975 وكذلك منصب مستشار اقتصادي للبعثة التونسية لدى الأممالمتحدة وسفيرا لتونس لدى الاتحاد الأروبي ورئيسا للجنة التنمية الصناعية لدى الأممالمتحدة والبنك الإفريقي للتنمية وعضو مجلس المستشارين سنة 2010.