إن علماء المسلمين قد اتفقوا على المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، واختلفوا في مصادر تكميلية من حيث اعتبارها من الأدلة والأصول تستقل بالكشف عن الحكم الشرعي وهي الاستحسان والاستصلاح والعرف وسد الذرائع والاستصحاب وأقوال الصحابة وعمل أهل المدينة وشرع من قبلنا. ويقصد بشرع من قبلنا تلك الأحكام التي شرعت للأمم السابقة بواسطة الأنبياء والرسل كإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وورد ذكرها في شريعتنا وهذه الأحكام ثلاثة أنواع:
الأول : أحكام قام الدليل في شريعتنا على أنها منسوخة وهذا النوع لا خلاف في أنه لا يعمل به كما في قوله تعالى: «وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا (الأمعاء) أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون» (سورة الأنعام: 145) فقد نسخ هذا التحريم في شرع من قبلها بقول الله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به. فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربّك غفور رحيم} (سورة الانعام: 144).
الثاني : أحكام قام الدليل في شريعتها على أنها معتبرة في حقنا. وهذا النوع لا خلاف في أنه يعتبر من شريعتنا . فيجب إتباعه والعمل بموجبه كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة 182). وكما في قول النبي عليه السلام: «ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم» رواه احمد وابن ماجة. الثالث : أحكام لم يقم الدليل على نسخها أو اعتبارها كما في قوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص} (المائدة 44) فهذا إخبار عن أحكام شرعت في التوراة لبني إسرائيل.