اليوم 28 جانفي 2004 هو عيد الميلاد الثالث والتسعين لأديبنا الكبير محمود المسعدي الذي ولد في مثل هذا اليوم من سنة 1911 في قرية تازركة بالوطن القبلي... تلك القرية التي قضى فيها محمود المسعدي طفولته وحفظ القرآن الكريم واكتشف فيها سحر البيان وافتتن مبكّرا بالقرآن الكريم الذي القى بظلاله على اسلوبه الادبي وتكوينه المعرفي الذي نمّاه بالانفتاح على اللغة والآداب الفرنسية والنهل من التراث العربي فيما بعد سواء في المعهد الصادقي او في عاصمة الأنوار باريس. وما لا يعلمه الكثيرون ان كاتبنا الكبير محمود المسعدي له نفس عمر نجيب محفوظ واذا كان محفوظ مبدعا في روايته الوجودية والاجتماعية ورصده لتحوّلات المجتمع المصري وتوظيف التاريخ الفرعوني العربي والاسلامي لمصر فإن محمود المسعدي اتجه في كل ما كتبه الى المسائل الذهنية ليكون ظاهرة سردية لم يعرف لها الادب العربي مثيلا لا في القديم ولا الحديث. وما جرّني الى المقارنة بين المسعدي ومحفوظ هو الاحتفال الكبير الذي نظّمته الاوساط الثقافية غير الرسمية في مصر في عيد ميلاد نجيب محفوظ مؤخرا وهي عادة سنوية في حين يمرّ عيد ميلاد محمود المسعدي في صمت. فحتى صدور الاعمال الكاملة في اربعة مجلدات وفي طبعة انيقة مرّ في صمت وتكاد تكون طبعة سرية... فلا الوزارة التي حرصت على صدور هذه الاعمال منحت للحدث اي عيد الميلاد قيمته الاحتفالية ولا اتحاد الكتّاب التونسيين اهتم بالامر ولا اي من الجمعيات الثقافية والمؤسسات الثقافية والعلمية مثل «بيت الحكمة» وكليات الآداب اهتمت بهذا الحدث ومنحته ما يستحق من قيمة وتقدير. ان هذا الصمت الذي تعاملت به الحياة الثقافية مع صدور الاعمال الكاملة لمحمود المسعدي ومرور عيد ميلاده الثالث والتسعين دون ان يثير اي مبادرة رمزية بين المثقفين دليل على ان الشارع الثقافي في تونس يعاني من لامبالاة لا نظير لها تجاه اي حدث ثقافي حقيقي. وبالمناسبة نقول لمحمود المسعدي كل عام وانت بخير.