بصدر مفتوح وبصراحة المثقف تحدث السيد مهدي مبروك وزير الثقافة الى «الشروق» التي أثارت معه مسائل الساعة في قطاع الثقافة والإبداع وتوغلت معه في مسألة الاعتداءات على الفنانين والمبدعين التي تكررت في أكثر من مدينة وفتحت معه ملف الفساد كيف تقيّمون المهرجانات الصيفية من حيث مضمونها والإقبال عليها خاصة وقد سبقت انتقادات وملاحظات عدة؟
أهم ما ميّز مهرجانات هذه السنة عودة الجمهور الى مدارج المسارح وإقبال التونسيين على السهر خارج البيت وتطبيع العلاقة مع الفضاء العمومي وأعتقد أن خلو سهرات المهرجانات من اي مشاكل عدا بعض الحالات المعزولة والتي حاولنا بالتنسيق مع الهياكل الأمنية التصدي لها على غرار ما وقع بالقيروان. لقد سجل مهرجان قرطاج هذه السنة أرقاما قياسية إذ بلغ عدد الذين اقتطعوا تذاكرهم قرابة 60 ألف متفرج إضافة الى الاشتراكات والأعداد الكبيرة للمتسربين وهذه ظاهرة حاولنا الحدّ منها قدر الامكان لكنها مازالت مستفحلة وتهدد مداخيل المهرجان فمن غير المعقول ان نشاهد 10000 متفرج على المدارج ويقتطع نصفهم فقط التذاكر وأعتقد ان التنوّع الذي ميّز عروض مهرجان هذه السنة هو الذي أتى بكل هذه الجماهير فحضور مارسيل خليفة وحسنو سلندريسي ونصير شمة وليز ماكمب وألفا بلوندي وصابر الرباعي وظافر يوسف وكاظم الساهر وميكا وهاني شاكر ونجوى كرم وحبوبة وفر مادة موسيقية متنوعة أرضت أذواقا مختلفة وهو ما يفسّر هذا الاقبال الجماهيري الكبير وعلى سبيل الذكر لا الحصر جرت العادة أن يغلب على عرض الاختتام الدخول بالدعوات ولكن في هذه السنة كان عدد من اقتطعوا تذاكرهم لحفل ظافر يوسف حوالي 3500 فقط لابد من الاشارة الى أنه رغم المجهود المبذول من الفنانين ومن إدارة المهرجان إلا أن حفلات المطربين التونسيين وأعني الحفلات التي أضيفت شهدت إقبالا جماهيريا ضعيفا وأعتقد ان ذلك مرتبط بأزمة الأغنية التونسية اذ باستثناء بعض الأسماء القليلة لا يقبل الجمهور على هذه الحفلات وللأسف فضل الفنانون الحل الفوقي الصعود على ركح قرطاج وأظهرت الحفلات انه لابدّ من العمل على مشاكل الأغنية التونسية بصفة هيكلية ولا يمكن لحفلة في قرطاج أن تصعد بفنان الى القمة بل يحتاج الأمر الى تكاتف الجهود من كل الأطراف المتدخلة لإخراج الأغنية التونسية مما تردت فيه منذ سنوات أما في خصوص المهرجان بصفة عامة وآفاقه فقد بدأنا في تقييم شامل للدورة 48 وبدأنا في التفكير في الدورة القادمة وهناك توصيات هامة في المجال للقطع مع الارتجال وتجنب ضغط الوقت وستصدر الاعلانات للمبدعين في بداية السنة الثقافية كما سيتاح لهم حيّز زمني معتبر لإعداد مشاريعهم كما سنبدأ سلسلة من المشاورات مع الهياكل والنقابات حول تصوّراتهم وهناك مقترحات هامة لتطوير العمل وإقامة هياكل واضحة للاعداد للمهرجان منذ الآن.
شهدت بلادنا اعتداءات متكررة على الفنانين والمبدعين بما يهدد حرية التعبير والابداع، ما قولكم في ما حدث وما هي الاجراءات التي ستقومون بها حماية للابداع؟
بالفعل وللأسف الشديد تعرض بعض الفنانين كما تعرضت بعض المؤسسات الثقافية للاعتداء من بعض المجموعات اذ تم إلغاء مهرجانين وتم افساد 3 عروض: عرض للطفي العبدلي بمنزل بورقيبة وعرض أجراس بعقارب وعرض الفرقة الايرانية بمهرجان الموسيقى الروحية بالقيروان وهو ما لا نقبله ولا نسكت عنه وإضافة الى البيانات المنددة التي أصدرناها كثفنا الاتصالات بوزارتي الداخلية والعدل سواء لتوفير الحماية اللازمة للتظاهرات الثقافية والفنية كما حدث على سبيل الذكر بالقيروان اذ كنت أتابع الوضع لحظة بلحظة وكذلك لملاحقة الذين تسوّل لهم أنفسهم الاعتداء سواء على الفنانين او منع بعض التظاهرات الثقافية وقد باشرت مصالح وزارة الثقافة رفع الأمر الى القضاء. ووزارة الثقافة تعتبر حرية التعبير والإبداع مكسبا من مكاسب الثورة لا يمكن المساس به وأعتقد انه بتضافر كل الجهود وهنا أعني الساهرين على الشأن الثقافي والمصالح الأمنية والمبدعين ومكوّنات المجتمع المدني يمكن ان نضع حدّا لهذه الظواهر المعزولة والشاذة.
أين وصل ملف الاعتداء على المعالم الأثرية بالقيروان وماهي الاجراءات التي تم اتخاذها؟
لقد أعطينا هذا الملف ما يستحق من أهمية وتحوّلت على عين المكان لمعاينة التجاوزات صحبة وفد من الباحثين والاعلاميين وكان لذلك صدى كبيرا في وسائل الاعلام وانكب الساهرون على التراث سواء بالقيروان او بالمعهد على الملف بكل جدية ورفعنا شكاوى الى القضاء كما حمّلنا السلط الجهوية مسؤوليتها كاملة وأعتقد انه إذا لم يكن رفع هذه التجاوزات قد بدأ بعد فإنه سيبدأ في غضون أيام إن لم أقل ساعات وفي ما يخص حماية التراث كنا منذ ماي 2012 عقدنا المنتدى الأول للمجتمع المدني والتراث بالحمامات ودعونا الى بعث مرصد وطني لحماية التراث وسننظم ايضا ورشات لتكوين الجمعيات في مجال التراث في شهر أكتوبر 2012 كما سننظم منتدى حول السياسة التراثية في الخريف القادم إضافة الى تنقيح مجلة التراث بما يتلاءم والمستجدات لخلق حزام مدني حول المواقع الأثرية والمعالم يكون الحامي والمستثمر لهذه الثروة الوطنية حتى لا يتكرر ما حدث في القيروانوقرطاج وغيرهما من المدن.
هل بدأ التفكير في تطوير مهرجان قرطاج السينمائي وإعادة مجده؟
لقد بدأ العمل على الدورة القادمة لمهرجان قرطاج منذ أشهر منذ تعيين السيد محمد المديوني مديرا للدورة والذي شكل فريقا مساعدا له وإدارة قارة مقرها ببناية المكتبة الوطنية وتشتغل يوميا وقد تحوّل رفقة بعض مساعديه الى مهرجان كان واتصل بالسينمائيين الأفارقة والعرب وتجارب أخرى وقام بعمل كبير كما قاموا باتصالات مكثفة متقدمة مع مهرجانات أخرى وسينمائيين عرب وأفارقة وقد قطع الاعداد للدورة القادمة أشواطا متقدمة وذلك عبر متطوعين وكذلك تشجيع خريجي مدارس السينما وأيضا الانفتاح على السينما الآسيوية التي ستكون ممثلة من خلال التجارب الايرانية والصينية والهندية وأعتقد ان الدورة القادمة ستعيد للأيام توهجها ومكانتها على الصعيدين العربي والافريقي والآسيوية هذه المرة.
أين وصلت الوزارة في ملف الفساد؟
أقامت دائرة المحاسبات وهي هيئة رقابية قضائية مكاتب لها بالوزارة ومعهد التراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية ونحن متعاونون معها في كشف كل التجاوزات وعرض كل ملفات الفساد على العدالة وقد أحلنا 20 قضية على انظار العدالة ومازالت الوزارة بصدد كشف التجاوزات التي حدثت ولن نتوانى في عرضها على أنظار القضاء.
ما هو الجديد في معرض الكتاب وهل سيخرج من كتب المطبخ والكتب الصفراء؟
وقع تعيين السيد كمال قحة مديرا للدورة القادمة لمعرض تونس الدولي للكتاب وشكل فريق عمل وأقولها وأكررها انه لا مجال للمنع بعد الثورة على الفكر والابداع وأعتقد ان القطع مع الكتب الصفراء وكتب الطبخ وكتب الأبراج والحظ ليس مسؤولية الوزارة فحسب وإلا سنجد أنفسنا في دائرة المنع إنما هي مسؤولية جماعية تبدأ بالناشرين لتمر الى القرّاء والاعلاميين وسلطة الاشراف نحن نريد لمعرضنا ألا يكون فقط سوقا ضخمة للكتب وهذا مطلوب وإنما هو سوق لتبادل حقوق التأليف وملتقى فكري كبير نريده حدثا ثقافيا لا يشع على العاصمة فحسب ... نريد من المعرض ان يعيد الدفء لعلاقة التونسي بالكتاب.
متى يتم إنهاء أشغال مدينة الثقافة التي تأخرت بشكل كبير؟
ملف مدينة الثقافة ملف شائك تعرفون انه في ظل وزارة سلفي توقف المشروع بل ظهرت النية للتخلي عنه رغم الأموال الضخمة التي صرفت عليه والتجاوزات التي حصلت في المشروع لا تبرر التخلي عنه وقد كثفنا من الاجتماعات مع وزارة التجهيز ودعونا الى جلساتنا المؤسسة المنفذة والبنك الممول وهما تشيكيان. وهناك حزمة من النزاعات القانونية نحن بصدد تذليلها لكي تستأنف الاشغال في الأشهر القليلة القادمة. علما أن استعدادات الوزارة قد بدأت بعد من خلال برمجة تكوين الموارد البشرية في مجال التصرف الإداري والمالي والتقني في مشروع ضخم. ونرجو أن تبدأ الأشغال في نهاية هذه السنة.