انتظم مؤخرا بأحد نزل مدينة المهدية الملتقى الجهوي للديمقراطية المحلية والديمقراطية التشاركية والانتقال الديمقراطي بمشاركة ممثلين عن عدد من الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية من ولايات الشريط الساحلي من المهدية والمنستير وسوسة وصفاقس. الملتقى اندرج في إطار مشروع ينفذه المعهد العربي لحقوق الإنسان بالتعاون مع معهد الصحافة وعلوم الإخبار ومؤسسة «كنراد ادناور» تحت عنوان «دعم قدرات الأحزاب السياسية في مجال التحول الديمقراطي».
وفي جلسة الافتتاح بيّن ممثلي الأطراف المنظمة أن الواقع السياسي اليوم يتّسم بالارتباك وبعدم وضوح الرؤية، وانسداد الأفق، فالجدل القائم في المجلس الوطني التأسيسي حول صياغة الدستور والمسوّدة النهائية، وعدم التقييد بخارطة طريق تكون نابعة من داخل المجلس تحدد موعدا للانتخابات القادمة وهيئة مستقلة للانتخابات حتى نجنب البلاد فراغ ما بعد تاريخ 23 أكتوبر وانتهاء شرعية المجلس التأسيسي والحكومة.
كما أظهر الأداء السياسي اليوم قصورا في الديمقراطية التمثيلية، حيث ابتعد النائب المنتخب عن اهتمامات المواطن اليومية مما خلّف له شعورا بالاستياء وانعدام الثقة في من يمثله باعتباره تحوّل إلى سياسي محترف يعد ولا يفي غالبا، ويتحدث كثيرا بلغة الأرقام والحسابات حتى غدت حقوق المواطن بمثابة حقوق موسمية تبدأ مع كل استحقاق انتخابي وتنتهي بانتهائه.
فالمرحلة التي تعيشها اليوم بلادنا دقيقة فهي ليست مرحلة الغنائم السياسية والتفرد بالرأي واحتكار السلطة التي تمثل بوادر لعودة الاستبداد.. هذه المرحلة المفصلية تتطلب إشراك مختلف القوى وصهرها في إدارة قوية وشفافة وعادلة تحقق التنمية للجميع، فعودة أصوات التهميش والإقصاء والدعوة إلى العنف والعبث بالمؤسسات، وتعنيف الإعلاميين، والفنانين، والمثقفين يُعدّ مدخلا لضرب السلم الاجتماعية.. فالمطلوب الدفاع عن الحقوق والحريات ومؤسساتها وصيانة المعرفة والإبداع وغرس قيم تؤسس للعمل الجماعي وإقامة حوار متعدد الأصوات يمنح الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والبلديات دورا في تحقيق الديمقراطية المحلية والديمقراطية التشاركية تعزز دور المواطن الذي لا يقف عند حدود الحق في التصويت والترشح والولوج إلى المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، بل يجب أن يمتد ليشمل الحق في الإخبار، وفي الاستشارة، وفي التتبع والتقييم أي أن تتحول حقوق المواطن من حقوق موسمية إلى حقوق دائمة مستمرة ومباشرة.
وقد بيّنت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي انخفاضا في نسبة المشاركة السياسية إذ أن 47 بالمائة فقط شاركوا في الانتخابات مقابل عزوف 59 بالمائة، ومقارنة باسبانيا فقد بلغت نسبة المشاركة في أول انتخابات ديمقراطية بعد سقوط الدكتاتورية 79 بالمائة.
غيث الشاوش الأستاذ بكلية الحقوق بسوسة أكد في مداخلته التي حملت عنوان «الديمقراطية المحلية والديمقراطية التشاركية: المفاهيم والآليات» أن الديمقراطية التشاركية هي ردّ فعل للفهم المنقوص للديمقراطية التي تفترض في الأدنى مشاركة المواطنين في تحديد الخيارات الكبرى، وانحسار الديمقراطية في جانبها التمثيلي في احتكار السلطة والقرار، فمجرد الانتخاب أو انتخاب سلطة شرعية لا يحيلنا بالضرورة إلى منظومة ديمقراطية، والأمثلة كثيرة في التاريخ التي يمكن أن نذكر منها «ديكتاتورية هتلر»، فالشرعية الديمقراطية تتجاوز الشرعية التمثيلية إلى شرعية الأداء بإحداث آليات مؤسساتية لحوار بين السلطة والمواطن، مضيفا أن الديمقراطية المحلية هي الإطار البديهي والمباشر لممارسة الديمقراطية التشاركية التي تكون أسهل على المستوى المحلي تقنيا وعمليا، أما آلياتها فهي اعتماد المجالس المحلية والجهوية للتنمية، والمؤتمرات المحلية، والعرائض والمبادرات الشعبية، والاحتجاجات والمظاهرات السلمية وهو ما يتعارض مع السلطة الجهوية الحالية في الولاية التي تعتبر بصورتها الحالية «ماكينة استنساخ» منهجي للتسلط الجهوي لأنها تجمع بين السلطة الإدارية والسلطة التنفيذية.
وشدّد الأستاذ الشاوش في خاتمة مداخلته على ضرورة العمل على فك الارتباط بين السلطتين الإدارية والتنفيذية، وفصل ما هو إداري وما هو اقتصادي في المجالس الجهوية المنتخبة.